أولًا ـ أدب الأكل والشرب:
قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف ـ 31).
معنى الكلمات:(ولا تسرفوا): لا تجاوزوا حدّ ما أحل الله لكم.
التفسير الإجمالي:
الأكل والشرب حاجتان ضروريتان للإنسان، ليقوي به جسده، ويبني خلايا جسمه عوضًا عن التي تموت كل حين، فيحفظ بذلك بهما صحته، ويسبع به نفسه التواقة إلى أطايب الشراب والطعام، لكن ما يحدث لو تناولناهما فوق حد الصحة، هنا يتدخل الرب سبحانه وتعالى بالنهي عن ذلك، لنحتفظ عن صحتنا، ونطعم بفواضل الطعام والشراب المساكين والفقراء.

ثانيًا ـ أدب البر والإحسان والإيثار:
قال الله تعالى:(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة ـ 177).
معاني الكلمات:(البِّر): التوسع في فعل الخيرات، (ذوي القربى): أصحاب صلة قرابة سواء كان عن طريق الأم ويسمون أرحامًا، أو عن طريق الأب ويسمون عصبة، (اليتامى): يتامى المسلمين، واليتيم مَن فقد أباه وهو صغير أي دون البلوغ، (المساكين) هم الضعفاء أسكنته الحاجة فلا يستطيع التصرف لما عنده من قليل مادة، وقيل هو: مَن لا شيء معه، فهو أبلغ من الفقير، (ابن السبيل): المسافر الذي انقطع عن ماله وأهله، (السائلين): الفقير السائل، وقيل أيضًا: السائل غير الفقير لشيء من المال، (الرقاب): المكاتبون من العبيد أو لتحرير أسرى الحرب، (الموفون بعهدهم): المتمون له دون نقصان، (البأساء): شدة الفقر، (الضراء): المرض والأوجاع والجوع، (البأس): القتال.
التفسير الإجمالي:
للبر أنواع كثيرة ومناحٍ متفاوتة، وليس مجرد الصلاة والقبلة كما ادّعى أهل الكتاب، ولمّا كانت الآيات السابقة تتحدث بتمعن وتعمق في الصلاة والقبلة، كان الوقت بعدها حاينًا للحديث عن حقيقة البر، وهو أدب يؤدبنا الله إياه، فما هي حقيقته؟.
ويشتمل البر على فعل المندوبات إلى جانب الواجبات، فقد بدأ سبحانه بالإيمان ثم بالإنفاق، ثم بالشرائع ثم بوفاء العهد والاصطبار.
فالبر برٌّ ـ أو ذو البر ـ مَن آمن بالله واليوم الآخر، وهذان هما قطبا الإيمان، ومحط سؤال الإنسان: مَن أوجدني؟، وأين مصيري بعد الموت؟، فبالإيمان بالله يأتي الإيمان بباقي الأركان، والإيمان باليوم الآخر يدفع الإنسان إلى التحلي بالأعمال الحسنة والتخلي عن الصفات السيئة لأنه سيحاسب، فإما عقاب أو ثواب بإذن الله سبحانه وتعالى.
والإيمان بجملة الملائكة، وخاصة منهم مَن يكتب أعمالنا، ومنهم حملة الوحي إلى الأنبياء والرسل من الله تعالى، وسيدهم جبريل، ومنهم ميكال وإسرافيل وملك الموت ومالك ورضوان.
والإيمان بجملة الكتب خاصة القرآن لأنه كتاب المسلمين، والإيمان بجملة النبيين خاصة سيدنا محمد، لأنه نبي هذه الأمة إلى أن تقوم الساعة.
ولمّا كان من خصال النبيين الأنفاق، أمرنا سبحانه بالإنفاق لأناس أكثرهم بحاجة إلى المال مثل ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين والمكاتبين والأسرى، هذا المال ينفقه وربما هو يشتهيه ويحتاج إليه ورغم ذلك يؤثر غيره على نفسه، وهو محب له أو هو محب للإنفاق (أي: الإيتاء للمال).
وكل ما سبق من الطاعات هي بأشياء بينه وبين الله، إما الموفون بعهدهم والمتممون له، قد يكون بينه وبين الناس، كما قد يكون بينه وبين الله، لذلك جاء بصيغة (إذا عاهدوا)، والعهد الذي بيننا وبين الله هو إقامة أحكام ديننا بما استطعنا ومهما استطعنا.
والوفاء بالعهد يحتاج إلى الصبر، والصبر من البر كما قال سبحانه:(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) بهذه الجمل القرآنية تعين الصبر عند كل شدة مهما كان نوعها إيمانهم وفي تقواهم لله سبحانه وتعالى.


* علي بن سالم الرواحي
كاتب عماني