حين تكون الرؤية واضحة تجاه القضايا الوطنية، تتفتق الأذهان عن حلول إبداعية للمحافظة على مصالح الوطن والمواطن في خضم تفاعلات القوى الاقتصادية وانفتاح الأسواق والقوانين الدولية المنظمة لحركة رأس المال العالمي العابر للحدود، ولعل القطاع الصناعي من أول القطاعات التي تشهد هذه الحلول التي تحافظ على الموازنة الدقيقة بين تطلعات جذب الاستثمار الأجنبي للمساهمة في تحسين أداء الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل، وبين الحفاظ على حقوق المواطن في الشعور بأنه المالك الحقيقي للوطن دون افتئات على هذا الحق الأصيل وما يتمخض عنه من عناصر لتوفير حرية الحركة والتمتع بميزات الوطن، وأيضًا المشاركة في الوقت المناسب في المشروعات التي قد تكون سبقت إليها رؤوس الأموال الأجنبية.
والحلقة النقاشية التي نظمتها وزارة التجارة والصناعة أمس بعنوان "محاور يوم الصناعة" مع المعنيين بالقطاع الصناعي ليست حالة صحية في مسار العلاقة القائمة بين القطاعين العام والخاص فحسب، وإنما هنالك حاجة ماسة إلى مثل هذه اللقاءات في ظل التطورات والمتغيرات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية والتي من بينها الانخفاض الخطير في أسعار النفط، لبلورة خطط فاعلة وإيجابية لتأكيد الهوية العمانية المشاركة في معظم المشروعات الصناعية العملاقة الحالية والمقبلة على أرض السلطنة، انطلاقًا من مواجهة التحديات التي عادة ما تواجه القطاعين العام والخاص، والرغبة الصادقة والأكيدة في تذليلها والتغلب عليها على بساط الشفافية والصراحة، بما ينعكس إيجابًا على الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ويحافظ على وتيرة النمو المطلوبة والموضوعة وفق الخطط التنموية المعدة لذلك.
وما من شك أن تنويع مصادر الدخل الوطني هو أهم التحديات التي تواجه خطط التنمية في البلاد، إذ إن نسبة الاعتماد على مصدر النفط لا تزال مرتفعة، وما لم يكن هناك تعاون وتكامل بين القطاعين العام والخاص للتغلب على هذا التحدي، فإن الارتهان للأمر الواقع لن يؤدي إلى نتيجة، ولذلك فإن محاور الحلقة النقاشية المتمثلة في دور القطاع الصناعي في ظل هبوط أسعار النفط، والحوافز الحكومية المقدمة للقطاع الصناعي، والتعمين وإجراءات الترخيص الصناعي، وتحسين أداء القطاع الصناعي والاستراتيجية الصناعية، يشكل الاتفاق حولها أرضية مناسبة للبناء عليها. فحسب سعادة المهندس وكيل وزارة التجارة والصناعة للتجارة والصناعة فإن نسبة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي وخلال الأربع سنوات الماضية تراوحت ما بين 10 إلى 11 بالمئة، وهو معدل ـ كما قال ـ جيد حيث إن الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 وضعت على أساس أن تبلغ مساهمة القطاع الصناعي 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. إلا أن القطاع الصناعي مؤهل لأن يلعب دورًا أكبر من تلك النسب السابقة في تنويع مصادر الدخل وفي دعم الاقتصاد الوطني في ظل ما هو متاح له من امتيازات وتسهيلات حالية كاستغلال الخامات المحلية وتشغيل الموانئ المحلية، والتصاريح الحكومية الميسرة من حيث سهولة الاستخراج والرسوم، بالمقارنة مع المقابل الذي يفترض أن يلتزم به نحو الحكومة من حيث التعمين ومراعاة الوظائف النوعية وليس الكمية أيضًا. كما أن القطاع الصناعي مؤهل لأن يدعم القطاعات الأخرى مثل القطاع الخدمي. وإزاء ذلك لم تبخل الحكومة يومًا بعمليات التشجيع والتحفيز للمستثمرين، بل إن هذه الحلقة أحد الدلائل المهمة والواضحة لاتجاه الحكومة نحو إضافة المزيد من التسهيلات والحوافز، وبحث جميع المعوقات والتحديات التي تواجه القطاع الخاص بما فيه القطاع الصناعي، فقد كان واضحًا الإصرار الحكومي في الحلقة النقاشية على تذليل تلك التحديات والمعوقات عبر سلسلة آليات من شأنها توفير الوقت والجهد مع الحرص على التسهيل والتيسير، وأهمية الترويج والتصدير للمنتج العماني بإقامة المعارض المحلية والخارجية. ويتقاطع مع هذا الاهتمام الجهود الحكومية ممثلة في المجلس الأعلى للتخطيط نحو إكمال مشروع المنطقة اللوجستية بجنوب الباطنة حيث سلط اجتماع المجلس أمس مع الشركات المتقدمة للتأهيل المسبق لإدارة الميناء البري بالمنطقة الضوء على المشروع. إذ يعد موقع الميناء المتميز على شبكة الطرق السريعة الجاري تنفيذها بمحافظة الباطنة كطريق الباطنة الجنوبي السريع وطريق بركاء ـ نخل مركزًا حيويًّا لعمليات نقل وتبادل البضائع والحاويات إلى جانب أنشطة التخزين والتوزيع على المستويين المحلي والإقليمي، وكذلك داعمًا لعمليات التصدير وإعادة التصدير انطلاقًا من موقعه. وسيعمل الميناء كمركز يربط مطار مسقط الدولي وميناء صحار وقنوات التوزيع بولايات السلطنة خاصة محافظة مسقط، وكذلك سترتبط عملياته مع شبكة الموانئ الأخرى بالمحافظات والمناطق التجارية والصناعية وسيسهم بفاعليه في انسيابية وسرعة حركة النقل ومناولة البضائع، وغيرها من المزايا والخدمات التي سيقدمها الميناء والمنطقة اللوجستية.
إذن يمكن القول إن الجهود الحكومية ماضية في طريقها إلا أن نجاحها يتوقف على مدى ما يبديه القطاع الخاص من جهود مكملة تحقق الأهداف والخطط وتنوع مصادر الدخل وتنمي الاقتصاد الوطني.