إن من أهم وأسمى أهداف الدبلوماسية الاقتصادية هو توفير فرصة للأفراد للإفلات من براثن الفقر وتحسين معيشتهم، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام في البلد من خلال مساندة تنمية القطاع الخاص، وتعبئة رؤوس الأموال الخاصة، وتقديم المشورة..

تتنافس الدول المتقدمة في وضع الخطط الاستراتيجية والرؤية الواضحة لاجتذاب رؤوس الأموال النظيفة والمستثمرين بغية تطوير بلدانهم في جميع المجالات الاقتصادية والصناعية والصحية وحتى الدينية منها، ومواكبة عجلة التقدم التكنولوجي الرقمي الحاصل في مختلف الدول الجاذبة والحاضنة لرؤوس الأموال والمستثمرين، وإيجاد وسائل جديدة واعدة لربط رأس المال المخصص للاستثمار بالفرص المتاحة في الدول لغرض تحسين فرص العمل وتنويع أبواب الرزق إلى جانب تحقيق عائدات طيبة في الوقت ذاته.
تؤدي الدبلوماسية الاقتصادية الدور الأساسي والجوهري في عجلة معالجة التضخم الحاصل، وتحقيق فائض في خزينة الدولة ودعم الصندوق السيادي.
تعمل البعثات الخارجية، بمختلف مناصبها ودرجاتها الوظيفية من دبلوماسيين وملحق (تجاري أو صحي أو ثقافي)، على إقامة المؤتمرات الدولية داخل البلد وخارجه للتعريف بمقوِّمات التجارة والاقتصاد المميز للبلد، بالإضافة إلى شرح وافٍ عن التنمية المتصاعدة في الاستثمار في مختلف أروقة ومجالات الحياة.
إن من أهم وأسمى أهداف الدبلوماسية الاقتصادية هو توفير فرصة للأفراد للإفلات من براثن الفقر وتحسين معيشتهم، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام في البلد من خلال مساندة تنمية القطاع الخاص، وتعبئة رؤوس الأموال الخاصة، وتقديم المشورة، وخدمات تخفيف المخاطر لمؤسسات الأعمال القطاع الخاص والمختلط وكذلك الحكومي.
إن تهيئة المناخ الاستثماري في البلد، وتسهيل عمل وإنجاز مهام المستثمرين إلكترونيًّا هي من أهم ما يفتش وينظر إليها المستثمر بعين الاحترام والتقدير، وبعض الدول تتنافس في إنجاز معاملات وأوراق ومهام المستثمر بالساعات ومنحه الفرص والموافقات الرسمية وهو جالس في الفندق بعيدًا عن الشروط والمستمسكات الورقية الروتينية المقيتة المطلوبة؛ لكونه سوف يدخل ويستثمر في البلد بالآلاف أو ملايين من الدولارات، حيث إن الخدمة المميزة له ستشكِّل خطوة مهمة ومتقدمة في تسهيل الأعمال وجذب الاستثمار، لذلك على الجهات الحكومية المعنية والمتنفذة تطبيق الدبلوماسية الاقتصادية من خلال الأدوات المطلوبة ودراسة ـ ليس السوق المحلي وحده ـ الأسواق التي تحيط بالبلد وما تقدمه هذه البلدان من حوافز وطرق استقطاب لرؤوس الأموال والمستثمرين، وبالتالي تسعى جاهدة من خلال المرحلة القادمة إلى إعداد استراتيجية شاملة تنافس وتركز على خدمة المستثمر بأفضل ما يكون، منذ لحظة موافقته الجدية في المساهمة وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية للبلد بعيدًا عن اللف والدوران وكثرة الطلبات والشروط التي لا مبرر لها، حيث يمكن تأجيل أو غض النظر عنها في البداية، على أن يباشر المستثمر أعماله وإنشاء مشروعه ضمن الجدول الزمني المخطط له، بعيدًا عن المستمسكات الروتينية وضياع الوقت في المراجعات هنا وهناك دون جدوى، وقد يهرب هذا المستثمر بسبب هذه الحلقات الفارغة للحصول على التصاريح من هنا وهناك، والتي تعكس صورة غير مرضية وصادقة عن البلد باحتضان وتشجيع رؤوس الأموال بتنفيذ المشاريع. كما أننا لا ننسى حيتان السوق واللوبي الخفي والذي يدخل ضمن الطابور الخامس، والذي يهدم ما يخطط له البلد للنهوض بعجلة الاقتصاد؛ بسبب جشعهم المادي واحتكار الأعمال في بعض مجالات الحياة وبحجج واهية تفرض شروط وتعليمات لا تخدم التنمية الاقتصادية، وتكون بذلك هادمة لعجلة الدبلوماسية الاقتصادية التي تخطط لها الدولة.
إن البُعد الاقتصادي وتأطير العمل المستقبلي وفق منهجية واضحة توضع من قبل قيادات متخصصة لذلك عبر التركيز على قطاعات التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، من أجل تقديم بيئة محفِّزة للأعمال التجارية، ووصولا إلى اقتصاد متنوِّع ومستدام متفاعل مع المستجدات والمتغيرات، وقادر على المنافسة في المجتمع الدولي، ومستعد لتلبية احتياجات المواطنين حاضرا ومستقبلا، مما يسهل على الشركات الدولية الاستفادة من فرص الأعمال في عدة مجالات وقطاعات واعدة.
تُعدُّ الحوافز والمصداقية وسرعة التنفيذ وصفر الشروط هي من أهم رؤية المستثمر، وأنا شخصيا أعرف بعض الدول بها رجل الأعمال لا يراجع أي دائرة، المنطقة الصناعية هي التي تخصص له الأرض وتقدم له المشورة فقط وتقف بجانبه، بل وتنفذ ما يطلبه إلكترونيًّا وهو جالس في مكتبه بغاية الشفافية والدعم غير المحدود من قبلهم إلى أن ينفذ مشروعه بالكامل بعيدًا عن مراجعة أي دائرة رسمية وإضاعة الوقت والجهد؛ لكون هناك دائرة أو مكتب متخصص لإنجاز معاملات المستثمر على مدى 24 ساعة مجانًا وليس فقط أثناء الدوام الرسمي، حيث يجلس المستثمر في مقر إقامته ليجد كافة الموافقات قد أنجزت، وهذا ما يرنو إليه كل مستثمر، وما عليه إلا أن يدفع الرسوم الحكومية فقط.
وفي الختام؛ على الدول التي تنوي أن تسير في فلك الدبلوماسية الاقتصادية أن تتحول إلى فندق 7 نجوم بامتياز، كما فعلت اليابان وألمانيا بعد أن خرجتا من الحرب العالمية الثانية مدمرتين بالكامل، حيث بدأتا تقديم أفضل الخدمات للمستثمرين الجادين (المحليين، والأجانب) وبعيدًا عن الروتين الإداري المقيت وبعيدًا عن ملء وكتابة أوراق لا تخدم عجلة التنمية الاقتصادية، لذلك علينا الاقتداء بالدول المتقدمة التي تجاوزت مراحل الروتين الإداري الكلاسيكي وتحولت إلى الدبلوماسية الاقتصادية الرقمية، بحيث يستطيع المستثمر ـ وهو في الفندق ـ إنجاز كافة المستمسكات المطلوبة ليبدأ بتنفيذ مشروعه خلال24 -72 ساعة، مستفيدًا من الحوافز والرزم التشجيعية المقدمة من قبل الدولة والتي هي هدفها تحقيق أفضل النتائج وحصد أعلى الأرقام بما يخدم عجلة التنمية والاقتصاد، وهناك الكثير في جعبتي لتوضيح ملامح الدبلوماسية الاقتصادية لا مجال لذكرها بمقال أو مقالين.



د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق وأكاديمي