كنت في أحد الأيام أقوم بزيارة صديق لي وأثناء جلوسنا دخل ابنه الجامعي والفرحة تملأ عينيه وأخبر والده بأن نتيجته قد ظهرت ونجح بتقدير “مقبول” فما كان من الأب إلا أن غضب وقام بنهره ونقده كيف أنه لم يأتِ بتقدير مرتفع يحقق له طموحه، خصوصا وأنه كان متفوقا في المراحل التعليمية المختلفة السابقة.. وتذكرت وقتها يوم أن اتصل بي هذا الابن المسكين يشكو والده بأنه لا يريد أن يحقق له رغبته في الالتحاق بالكلية التي يرغب بها، ويريده أن يلتحق بما يحلم هو ويطمح، فما كان مني إلا أن هدأت من روع الابن وأخبرته أن يحاول إقناع والده بوجهة نظره؛ لأنه في النهاية مستقبله، لكن يبدو أن سطوة الأب كانت أقوى من رغبة الابن فانصاع في النهاية لرغبات أبيه والتحق بالكلية التي يريدها الوالد.
المهم أخذ الأب يكيل الاتهامات لابنه بأنه مقصر في مذاكرته، ولم يجتهد بالصورة الكافية التي تحقق له التفوق والحصول على أعلى الدرجات، وأنه فتى غير طموح وفاشل، فطارت الفرحة التي كانت تملأ عيني الابن ليحل محلها الحزن والدموع، فقد كان يعتقد أنه بنجاحه حقق طموح أبيه ولم يكن يعلم أن أباه يطمع فيما هو أكثر.
لا شك أن هذا الأب أخطأ في حق ابنه أكثر من مرة.. فهو يريد أن يحقق من خلال ابنه ما لم يستطع تحقيقه هو شخصيا، بغضِّ النظر عن طموح ابنه، متجاهلا في نفس الوقت رغباته، فدفع الابن الثمن غاليا بدراسته مواد لا يحبها بالتالي لم يستوعبها ويحمد الله أنه تمكن من النجاح فيها.
إن المعاملة الصارمة وتوجيه النقد والأمر والنهي والعقاب والتوبيخ والتسفيه في تربية الأبناء أثبتت بالتجربة العملية فشلها بكل المقاييس، وتأتي دائما بنتائج عكسية، وتخلق جيلا عدوانيا أو انهزاميا بعيدا عن الطموح والنجاح والإبداع.. أما معاملة الحب والاحترام المتبادل والصداقة والتفاهم بين الأبناء والآباء وإعطاء الابن الشعور بأهميته وقدرته على تحقيق الدرجات التي تؤهله للمنافسة هي أفضل وسيلة لتحقيق النجاح المنشود.. كما يجب في المقام الأول مراعاة طموح الأبناء وميولهم وأمانيهم وأحلامهم التي يريدون تحقيقها؛ لأن الطموح الذي يؤدي للإبداع لا يكون في مجال لا يستصيغه أو يحبه، بل إن الإنسان يجب أن يعمل ما يحب حتى يحب ما يعمل.
لا شك أن دفع الآباء للأبناء في اتجاه لا يتوافق مع رغباتهم سوف يؤدي إلى المزيد من التخلف والتراجع والفشل والذي بدوره ينعكس على المجتمع ككل.. الجميع يطمح في الرقي والتطور، ويسعى لتحقيق المزيد من العلو ماديا ومعنويا، لكن كل حسب وجهة نظره وقدراته وإمكاناته.. فالإنسان ليس ماكينة يتم توجيهها يمينا ويسارا، بل هو كتلة من المشاعر يجب مراعاتها حتى يحقق أفضل النتائج.
إن ما حققته البشرية من إنجازات خالدة إنما تم بفضل الموهبة الفطرية لدى العباقرة والعمل والسعي الدائبين والجدية التي حولت طموح أصحابها لمنجزات خلدتهم، ولم تكن هذه تتحقق لولا الهمم العالية والتركيز على الأهداف التي سعى كل منهم للوصول إليها.. فليس بالأماني والأحلام تتحقق الإنجازات بل بالعمل والرغبة الحقيقية في تحقيقها.. وما فعله الأب هو أنه لم يستطع تحقيق طموحه فأراد أن يحققه دون تعب أو جهد عن طريق ابنه المسكين.
نحن لا ننكر على الرجل طموحه ورغبته في أن يكون ابنه أفضل منه، فمن منا لا يريد أن يصبح أولاده أفضل منه، لكن يجب ألا يتم ذلك على حساب رغبات ومشاعر ابنه، بل يجب أن يأخذ في الاعتبار أن لابنه أيضا أحلاما وطموحات يسعى لتحقيقها كي يحقق ذاته وفق قدرات معينة منحها الله سبحانه وتعالى إياه.
أطالب كل أب أن يحترم طموح ابنه ويفتش عن موهبته، ويعمل على تنميتها وتحقيقها حتى يثبت كيانه.. فنجاح الابن حتى ولو في مجال لا يحلم به الأب هو ـ بلا شك ـ نجاح للأب نفسه، ويضفي السعادة والرضا على الجميع.
**********
الصمت الذي يخيم على المجتمع العربي والدولي تجاه الانتهاكات المتكررة بصورة يومية من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين بحق الفلسطينيين والمسجد الأقصى أصبح يثير الاشمئزاز والإحباط.. فالاعتداءات لا تراعي حرمة مسجد أو شيخوخة كهل أو طفولة صبي.. فالمستوطنون يعيثون فسادا وانتقاما من الفلسطينيين تحت حماية قوات الاحتلال.. ووسائل الإعلام تطالعنا يوميا بجرائم يرتكبها الصهاينة تحت سمع وبصر العالم مثل تدمير المنازل والممتلكات والسيارات الفلسطينية ودور العبادة الإسلامية والمسيحية وإتلاف الزروع، وغير ذلك من الانتهاكات.
الغريب أنه في كل مرة لا تتم محاكمة الجناة أو حتى البحث عنهم وكأن الحقوق الفلسطينية مباحة ويسمح للصهاينة بارتكاب ما يشاءون من المخالفات الأخلاقية والقانونية، ولا تتم معاقبتهم أو محاكمتهم.. ولا شك أن الصمت الدولي والعربي المطبق يمنح بني صهيون الضوء الأخضر كي يعيثوا في الأراضي الفلسطينية كما يحلو لهم، بل أن يسنوا القوانين الفاشية التي لا تراعي حق الإنسان الفلسطيني مثل قانون “الإرهاب” الذي يسمح بإدانة الفلسطينيين بدون وجود شهود إثبات، وهو ما يفتح الباب لاعتقال الفلسطينيين وإلصاق التهم بهم جزافا وظلما.. وقانون “منع أضرار الإضراب عن الطعام” والذي يسمح بالتغذية الفسرية للأسرى المضربين عن الطعام والذي تهدف من ورائه لتكميم الأفواه وإخراس الأصوات المناضلة، وغير ذلك من القوانين العنصرية التي تضيق الخناق على الفلسطينيين وتسلب منهم حقوقهم المشروعة.
إن الأمر لم يعد يحتمل الصمت والتجاهل فجرائم الصهاينة التي ترقى لدرجة جرائم حرب تزداد وتتصاعد وتيرتها يوميا نتيجة الحصانة المطلقة التي تمنحها الحكومة العبرية للمستوطنين.. لذلك يجب أن تستعر نار الغضب العربي والإسلامي فتثور وتأكل كل من يقوم بالانتهاكات ضد إخواننا الفلسطينيين.
يجب أن يدرك المجتمع الدولي أن ما تقوم به الدولة الصهيونية من قتل وحرق وتدمير وسلب للحقوق الفلسطينية إنما هو الإرهاب بعينه والذي يتشدق بمحاربته في كل مكان، وإذا كان يريد إقرار السلام في العالم والقضاء على الإرهاب، عليه أولا أن يوقف عصابات الإرهاب الصهيونية عند حدها.



ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني