تأتي زيارة الدولة التي يقوم بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى سلطنة عُمان، ولقاؤه بأخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، تتويجا للعلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات، وتعزيزا للروابط المشتركة وأواصر التعاون الخليجي والعربي والتفاهمات في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وهي روابط قويت أركانها وتأسست مبادئها، وتأصلت قواعدها منذ سبعينيات القرن الماضي، على يدي باني نهضة عُمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيَّب الله ثراه ـ وسمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ رحمه الله ـ، والتي عمل فيها الزعيمان الراحلان على تأصيل الروابط المشتركة، وتقوية فرص التعاون والشراكة في مختلف المجالات، وتثبيت قواعد العمل المشترك في إطار السيادة الوطنية، وعدم التدخل في شؤون الغير، وحسن الجوار، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وتعزيز لغة الحوار المشترك، وتنقية الأجواء، من أجل تحقيق مصالح البلدين وتعظيم مكاسب التعاون العربي والخليجي والعالمي المشترك.
ويبقى ما تحمله هذه الزيارة الكريمة من دلائل منظورة وأخرى غير منظورة، تزهر قيمتها المضافة على مسارات العمل القادم في القضايا التي تهم المنطقة الخليجية والعربية والعالم، لتمثل بدورها تجسيدا عمليا للعلاقة التاريخية المتناغمة والمترابطة بين البلدين الشقيقين، وتكامل الأدوار وتناغم الغايات والأهداف والرؤى المشتركة بين قيادتي البلدين في ظل جهود السلام والحوار والتنمية التي التزمت بها سلطنة عُمان في سياساتها الخارجية وعلاقة حسن الجوار التي تجمعها بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتعزيز حضور وإنتاج الفرص الاستثمارية والاقتصادية والتجارية والسياحية واللوجستية والتي تشهد نموا واسعا وحضورا كبيرا، والتي تصنع لها هذه النهج الأخوية القائمة على تبادل الزيارات وتقارب وجهات النظر وتوظيف الرصيد السياسي والتعاون الدولي قوة أكبر في صناعة اقتصاد السلام، وعبر ما عرف عن سلطنة عُمان من سياسات ثابتة متوازنة ونموذج عالمي في التعايش والسلام والتسامح وروح المودة، وتأكيدها على تثبيت مبادئ حسن الجوار والعلاقات الأخوية، في كل ما من شأنه تعزيز أصالة هذا النهج، ودعما لكل أساليب الحوار والعمل المشترك، نهجا حكيما ومسارا توافقيا سليما وإرادة صلبة وعزيمة راسخة تتقاسم قيادتا البلدين الشقيقين تحقيقه وتعملان على وضعه في أولوية الاهتمام، للقناعة بأن السلام والتعايش والتسامح والحوار طريق القوة لعالم التنمية، وتوظيف الفرص والمستجدات الإيجابية والنوعية التي يعيشها العالم في سبيل نهضة الأوطان وازدهارها وأمن الإنسان وبنائه، ولما كان كذلك هذا المنطلق لبناء نموذج خليجي مشترك يصنع للبيت الخليجي قوة ويؤسس فيه مساحة أكبر لابتكارية العمل المشترك.
على أن هذه الزيارة تكسب حضورها في هذه الفترة باعتبارها زيارة الدولة الأولى من نوعها لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بعد توليه رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة خلفا لأخيه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ خليفة بن زايد ـ رحمه الله ـ في ظل أجندة عمل مشتركة يتربع على رأسها البُعد الاقتصادي والاتفاقيات التجارية واتفاقيات النقل واللوجستيات وغيرها من المجالات التي باتت تشكل اليوم هاجسا مشاركا في سبيل رفع مستوى التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين الشقيقين في البنية الأساسية واللوجستية والموانئ والمنطقة الاقتصادية الواعدة في الدقم والمناطق اللوجستية، في ظل مؤشرات إيجابية تشير إليها الإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات والتي بلغ خلالها حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2021 أكثر من 5 مليارات و8ر512 مليون ريال عُماني، مقارنة بأكثر من 5 مليارات و231 مليون ريال عُماني في عام 2020. وأظهرت الإحصاءات أن إجمالي الاستثمارات الإماراتية بسلطنة عُمان بلغ في نهاية عام 2021 حوالي مليار و207 ملايين ريال عُماني، في حين وصل إجمالي الاستثمارات خلال الربع الأول من عام 2022 حوالي مليار و230 مليون ريال عُماني.
وتعمل جهود البلدين الشقيقين على وضع موجهات العمل المشترك المتفق عليها بين البلدين الشقيقين في سبيل تحقيق مصالحهما المشتركة وفق مبادئ الحق والعدل والمساواة، وتأكيدهما على أهمية تعزيز العمل الخليجي والعربي المشترك، وفق مسارات وأطر حددتها لجان العمل المشتركة التي تأسست في فترات سابقة بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والتي تستهدف الانطلاقة بهذه العلاقات إلى أرحب الآفاق تحقيقا لتوجيهات القيادتين الحكيمتين للبلدين الشقيقين، ومن بين هذه اللجان ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ اللجنة العليا المشتركة بين البلدين التي تم تأسيسها في عام 1991 والتي تسعى إلى تجسيد طموحات الشعبين الشقيقين، ودفع وتعزيز سبُل ومجالات التعاون والتنسيق بين الدولتين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والتربوية والعمل على ربط شبكات الكهرباء، والاتصالات، وتنسيق خدمات النقل البري وإجراءات الانتقال بين الدولتين عبر مختلف المنافذ الحدودية، إلى جانب تعزيز فرص ومجالات الاستثمار المشترك، بما يعود بالخير على الشعبين العُماني والإماراتي في الحاضر والمستقبل، بالإضافة إلى تأسيس مجلس رجال الأعمال العُماني الإماراتي، في عام 1998 بهدف تعزيز التعاون المشترك بينهما بما يحقق التطلعات والأهداف المنشودة.
وعليه، فإن الآمال اليوم تتجه إلى أن تثمر هذه الزيارة عن تحقيق خيارات أوسع وبدائل أكثر في تعميق روابط التعاون، وأن تشهد توقيع العديد من الاتفاقيات والتفاهمات والتوجهات الاقتصادية والاستثمارية والتشغيل والعمل، وتبادل الخبرات العلمية والاقتصادية وغيرها مما يتطلع إليه المواطن العُماني والإماراتي، وما يمكن أن تثمر عنه هذه الزيارات من فرص قادمة سوف تظهر في مختلف مجالات العمل المشترك، فإنها في الوقت نفسه سوف تفتح الكثير من الفرص الاستثمارية وجلب المزيد من الخيارات الاستثمارية والأنشطة الاقتصادية والتوسع فيها، خصوصا ما يتعلق منها ببعض المشروعات الاستثمارية المشتركة بين البلدين والعلاقات التجارية، وتوسيع فرص التبادل الاقتصادي في ظل الميزة التنافسية للسلطنة ممثلة في الموانئ العُمانية والميزة التنافسية التي تتميز بها سلطنة عُمان في حركة التبادل التجاري العالمي، ورسم ملامح مضيئة تعيد إنتاج هذه العلاقات في ظل مرحلة فارقة وظروف متسارعة، ومتغيرات تشهدها السوق النفطية العالمية، فإن من شأن هذه الزيارة أن ترفع من سقف التعاون المشترك، وتقرب من فرص التعاطي والعمل معا حول العديد من القضايا التي تهم البلدين والمنطقة الخليجية والعربية والقضية الفلسطينية وخلق مساحة أكبر من التوافقية وروح الانسجام في صناعة فرص النمو لتحقيق فرص السلام والأمن، فإن هذه الزيارة الكريمة سوف تشكل نافذة أمل قادمة تطل على الواقع الخليجي كمحطة احتواء أولى في مسار الحوار ووجهات النظر المشتركة، حاملة معها الكثير من الطموحات والانفراجات القادمة في العديد من الملفات السياسية والأمنية، والتي يتربع على رأسها الملف السياسي بجمهورية اليمن الشقيقة في حلحلة العقبات التي تقف في وجه تحقيق سلام شامل يرجع فيه اليمن السعيد إلى حوزة العمل العربي المشترك، وهو ـ بلا شك ـ طموح يصنع من هذه اللقاءات محطة لصناعة الأمل وخلق الإيجابية والتفاؤل وتوجيه الأنظار إلى إعادة إنتاج الصورة الأخرى الإيجابية التي تنتظرها شعوب المنطقة في رفع درجة التعاون والتكامل من أجل عودة اليمن الشقيق إلى موقعه في الذاكرة العربية والخليجية على حد سواء.
وعودا على بدء، فإن الجذور التاريخية والثقافية والاجتماعية بين شعبي سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، وروابط الود ووشائج القربى التي تجمع بين العديد من الأُسر والعائلات العُمانية والإماراتية في مختلف مكوِّنات البيت الإماراتي، وما يبديه كلا الشعبين الشقيقين لبعضهما من صفاء السيرة ونقاء السريرة وصدق المشاعر وروح التقدير كالجسد الواحد يشد بعضه بعضا في مواجهة كل أشكال التغريب التي يحاول الإعلام غير المسؤول أن يصورها في المشهد العُماني والإماراتي، محطات جسَّدها الكثير من المواقف، وأثبتتها العديد من الأحداث، وأطَّرتها واقعا عمليا في مزيد من الثقة والأخوة التي تجمع بين البلدين الشقيقين، بما يرسمه هذا اللقاء التاريخي نحو مستقبل تطوير العلاقات الأخوية وتوظيف الفرص والمكاسب الاقتصادية والاجتماعية وتبادل المنافع المتحققة في العقود الماضية بين البلدين، وما تقدمه نتائج هذه الزيارة من شواهد إثبات تلامس طموحات أبناء الخليج العربي، وتلبِّي احتياجات شعوب المنطقة في ظل استشعار مشترك بالمسؤولية الأخلاقية والأمانة التاريخية التي تقع على عاتق سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة في وحدة الصف الخليجي المشترك، وصناعة التوازنات الاستراتيجية بالمنطقة وصون الأمن والسلم الإقليمي.
أخيرا، تبقى نواتج هذه الزيارة مزهرة بأثرها، معطرة بطيبها، مزدانة بعبيرها، حاملة معها الخير والمحبة، وعمق التعاون والتكامل وصدق الالتزام والعمل معا، وتوسيع مسارات الشراكة الاستراتيجية والتعاون البناء لمستقبل أفضل وحياة أسعد، أصالة تاريخية لا تنقطع، ووهج أخوة لا ينطفئ، ولقاء محبة وثقة وصفاء لا تغيِّره الأحداث ولا تعكِّره الأمزجة، ولا تضر به صيحات الخلاف، ثابتة ثبات جبال عُمان الرواسي، أصيلة بأصالة السلام والحب في أرض الغبيراء، فأهلا وسهلا ومرحبا بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والوفد المرافق لسموِّه في زيارة الدولة التي يقوم بها ضيفا عزيزا وأخا كريما في رحاب سلطنة عُمان.


د.رجب بن علي العويسي
[email protected]