فكرة اللجوء إلى ملاذ آمن بعيدًا عن الدولار مع ارتفاعات الفائدة التي يقررها البنك الفيدرالي الأميركي غير العابئ باقتصادات وعملات الدول الأخرى قد تبدأ على استحياء، ولكنها قد تكون هي بالفعل الملاذ الآمن..

بعد الارتفاع المستمر لسعر الفائدة على الدولار في البنوك الأميركية، والتي يعتقد أنها ستؤدي في نهاية الأمر إلى تضخم غير مسبوق للاقتصاد الأميركي يفوق أحداث الأزمة المالية العالمية العام 2008، وبشكل مشابه تنذر النتائج الفعلية لأحداث الأعوام الثلاثة الماضية “2020،2021، 2022” بأن اقتصاد العالم يتعثر بشكل سريع نتيجة الارتباط المصيري والحصري بالدولار، والمرتبط روحيًّا بقرارات البنك الفيدرالي الأميركي من خلال رفع سعر الفائدة. وكنتيجة طبيعية للتخوفات، نشأت فكرة أن يكون هناك طرق كفيلة لإيجاد ملاذ آمن بعيدًا عن الدولار، خوفا من النتائج التي قد ينتج عنها أزمة مقدرة حسب الاقتصاديين لهذا الرفع الكبير على الفائدة التي وصلت للآن إلى3 في المائة، والتي أدَّت لإضعاف وإفقار العديد من الدول عن طريق إضعاف عملتها، وكنتيجة مباشرة رفع الفائدة في البنوك لديها وانعكست بطبيعة الحال على زيادة التضخم لديها، وبعيدا عن اليورو الآخذ في التهاوي كنتيجة طبيعية للعقوبات الروسية من الطرفين الأوروبي والروسي، وتأثر الأوروبيين أكثر من غيرهم بتقليص حجم الطاقة للقارة العجوز، وخوفا من توليد تشوهات مروعة في الاقتصاد العالمي لا يمكن تصحيحها من دون عواقب وخيمة نتيجة إضعاف العملات مقابل الدولار، وظهر هذا جليًّا في التهاوي المستمر لبعض العملات الخاصة بالاقتصادات الناشئة نتيجة ارتباطها بالدولار، لذلك اتجهت الأنظار مرشحة اليوان الصيني، حيث يعتقد المستثمرون أن الأصول المقوّمة باليوان، بما في ذلك سندات الحكومة الصينية، يمكن أن تؤدِّي بعض وظائف الملاذ الآمن، خصوصا وأن اقتصاد القرن الحادي والعشرين تشكَّل بفعل تدفقات رأس المال من الصين إلى الولايات المتحدة، وهو النمط الذي قَمَع أسعار الفائدة العالمية طيلة السنوات الفائتة وقبل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
يعزز من فكرة اللجوء إلى اليوان كملاذ آمن بشرط اعتزام الحكومة الصينية اتخاذ قرار مروِّع يتمثل بالإقدام على بيع حيازاتها من ديون الولايات المتحدة الكبيرة والتي تبلغ حوالي تريليون و200 مليار دولار. وهذا من شأنه أن يدفع أسعار الفائدة على الدولار في الولايات المتحدة إلى الارتفاع بشكل أكبر وأسرع مما يعجل بانهيار الدولار، ويجب أن يتزامن ذلك مع اتخاذ الصين إجراءات وقائية لعدم رفع سعر صرف اليوان الرنمينبي في مقابل الدولار، خصوصا وأن نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين قائم على التصدير والاستهلاك المفرط في الولايات المتحدة، في المقابل تتمتع الصين بضخ كميات هائلة من رؤوس الأموال إلى شرايين النظام المصرفي في الصين مما يدفع البنوك التجارية وغيرها من المؤسسات المالية إلى توسيع الائتمان مع زيادة المرونة في سوق النقد الأجنبي، بالإضافة إلى تقديم الصين لبعض العلاوة الإضافية على أسعار الفائدة مقارنة مع الولايات المتحدة بعد خصم معدل التضخم، بما يسمح باستقرار العائد على سنداتها، كما أنَّ تباين الدورة الاقتصادية يعني أنَّ المستثمرين يمكنهم شراء أصول مقوّمة باليوان لتنويع المخاطر.
فكرة اللجوء إلى ملاذ آمن بعيدًا عن الدولار مع ارتفاعات الفائدة التي يقررها البنك الفيدرالي الأميركي غير العابئ باقتصادات وعملات الدول الأخرى قد تبدأ على استحياء، ولكنها قد تكون هي بالفعل الملاذ الآمن، خصوصا وأن انتقال المعاملات المالية اتخذ صورة أسرع تحديًا بعد أن قررت روسيا استخدام نظام “SPFS” بعد خروجها من نظام سويفت المالي نتيجة العقوبات، والنظام الروسي الجديد لا يتعامل بالدولار، وأن ما بين الصين وروسيا من علاقات تجارية وسياسية قوية تساعد في نجاح اليوان كبديل للدولار، المؤشرات والأحداث تقول إن العالم يسير في اتجاه التغيير الجذري لكل قواعده السابقة.

جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»