لا خلاف بأن الطلاق غير محبَّب للنفوس، ويراه بعض الناس مشكلة، لكنَّ الله عزَّ وجلَّ أجازه إذا كان علاجًا لمشكلة أكبر، فقد يكون أخف الضـررين وأهون الشـرَّين، فهو الداء والدواء، وكما يعلم الجميع فإن الطلاق إما أن يكون صادرًا عن الزوج أو عن القاضي، وقد يكون بالتراضي أو بالإكراه، وفي حالات محددة يعطي فيها القانونُ القاضيَ السلطة لتطليق الزوج عن زوجته.
اللافت في الأمر أن الطلاق حول العالم يشهد معدلات مرتفعة ملحوظة، وسلطنة عمان جزء من هذا العالم؛ فتشير آخر إحصائيات المركز الوطني للإحصاء إلى ارتفاع حالات الطلاق بنسبة 12% في عام 2021م، فقد بلغت (3837) حالة، ووثائق وشهادات الطلاق الصادرة من دوائر الكاتب بالعدل في ذات العام شاهدة هي الأخرى على ذلك الارتفاع، والتي بلغت في مجموعها (995) شهادة مصادقا عليها في محافظة مسقط وحدها، بينما بلغت وثائق وحالات الطلاق المقيدة في ذات العام لجميع محافظات سلطنة عُمان (4179) وثيقة طلاق، تلك المعدلات المرتفعة مقارنة بعدد سكان السلطنة تجعلنا نقرُّ أننا أمام مشكلة تستوجب الدراسة، بغية الوقوف على أسبابها، والحلول التي يمكن أن تسهم في منع هذا الارتفاع المريب.
ومن خلال التقصي حول أسباب الطلاق بشكل عام في سلطنة عمان، فإننا نجد أنها تعود لأسباب إما اجتماعية أو قانونية، والأسباب الاجتماعية عديدة منها تدخل الأهل والمُغالاة في الطلبات والنفقات المالية، وصغر سن الزوجين أي الزواج قبل النضج، وعدم التوافق في السن فيكون الزوج كبيرًا في السن والزوجة مراهقة، والتكاليف المادية الباهظة، والعادات والتقاليد في الزواج التي تثقل كاهل الزوج فيرمي بنفسه للقروض البنكية لإتمام مراسم الزواج، وبعدها يصطدم بالمسؤوليَّات المادية، كذلك العنف الأسري، وعدم الإعداد الجيد للزواج، وجهل كل من الطرفين وإهمالهما لمسؤوليَّاته.
أما الأسباب القانونية التي يتم الطلاق فيها في كثير من الأحيان عبر المحكمة وبواسطة القاضي جبرًا على الزوج، فتعود لعدة أسباب منها: عدم الإنفاق أو المرض، سواء كان نفسـيًّا أو بدنيًّا وهو ما أوضحه قانون الأحوال الشخصية في المادة (98) فقد أعطى لكل من الزوجين طلب التطليق لعلة في الآخر يتعذر معها استمرار الحياة الزوجية ولا يرجى منها بُرء، أو يرجى بعد مضـي أكثر من سنة، عقليةً كانت العلة أو عضوية، أصيب بها قبل العقد أو بعده، كما أن القانون أجاز التطليق لعدم أداء صداق الحال، وهو ما ورد في نص المادة (100) من ذات القانون، وكذلك التطليق للضـرر والشقاق، وأيضًا يقع التطليق وفقًا للمادة (101) بسبب الشقاق والضـرر فيكون لكلا الزوجين طلب التطليق للضـرر الذي يتعذر معه دوام العِشرة بينهما.
الأمر اللافت أن القانون منح الزوجة الحق في طلب التطليق لعدم الإنفاق، ووفقًا لنص المادة (109) أن للزوجة طلب التطليق إذا امتنع زوجها عن الإنفاق عليها، والتطليق للغياب والحبس، وكذلك التطليق للغياب والفقدان، وتوضح المادة (110) أن للزوجة طلب التطليق بسبب غياب زوجها أو بالخلع والذي يكون بالتراضي بين الزوجين، وكل هذه الأحوال مقيدة بشـروط وضوابط حسب نصوص مواد قانون الأحوال الشخصية سالف الذكر.
* خلاصة القول:
إن حالات الطلاق في تزايد مستمر، لكنها تتشابه في كثير من الأحيان في الأسباب، الأمر الذي يجعلنا نؤكد على أهمية إيجاد الحلول الناجعة التي تحفظ لهذا المجتمع استقراره، وتحد من تزايد حالات الطلاق، ومن بينها:
1 ـ التأهيل قبل الزواج من خلال إقامة دورات وحلقات توعوية للمُقبلين على الزواج، توضح الالتزامات والمسؤوليَّات والحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، وفي هذا الإطار وجب التوضيح عن وجود دائرة مختصة بوزارة التنمية الاجتماعي بمسمى دائرة الإرشاد والاستشارات، ونشيد بمجهوداتها، ونحثُّ المواطنين المقبلين على الزواج وحتى المتزوجين للجوء إليها بغرض تنمية الأسرة وحمايتها.
2 ـ الكشف الصحي قبل الزواج، ويجب خضوع كلا الزوجين له.
3 ـ عدم المغالاة في المهور، ومظاهر الترف والبذخ، ليكون تركيز النفقات منصبًّا على التجهيز والإعداد لما بعد الزواج من تهيئة مسكن شرعي ومستلزماته.
4 ـ أن تكون عقود الزواج واضحة، ويتم النص فيها صراحةً على شروط كلا الزوجين طالما أنها لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، أو مع نصوص القانون.
5 ـ عدم تدخل الأهل وإجبار أبنائهم أو بناتهم على الزواج، وبعد ذلك الابتعاد عن تدخلات أي طرف ثالث على وجه الخصوص الأهل والأقارب.
تلك كانت أهم أسباب الطلاق في المجتمع العماني، وبعض الحلول المقترحة والتي أرى أنها ستسهم في الحد من الطلاق، وفي تماسك الأسرة العمانية التي هي أساس بناء المجتمع القوي.


* المحامي الدكتور:
محمد بن إبراهيم الزدجالي