تأتي السكك الحديدية لتطلق عهدا جديدا من علاقات التعاون بين الدولتين الجارتين، والتي كللتها زيارة سمو الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات لأخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي لاقت ترحيبا شعبيا كبيرا..

طالما كانت السكك الحديدية سببا في نشوء التجمعات الاقتصادية، ولعبت دورا مهما في إقامة الاتحاد الأوروبي، حيث لم يقتصر دورها في تسهيل تنقل الأفراد بين دول الاتحاد، بل تعتمد عليها دول الاتحاد في نقل البضائع وتسهيل التجارة والسياحة فيما بينها، بعد إزالة الحواجز الجمركية وظهور مصطلح فضاء شنجن، وهي منطقة تجارة حرة يتحرك داخلها مواطنو وبضائع 26 دولة أوروبية، منها 22 أعضاء في الاتحاد الأوروبي بدون حواجز أو مراقبة حدودية.
رغم مرور أكثر من 42 عاما على قيام مجلس التعاون الخليجي، ظلت فكرة إنشاء شبكة للسكك الحديدية تربط دوله الست، تراوح مكانها بين النشاط والخمول، رغم إجماع دول المجلس على أهميتها في تعزيز التعاون وتحقيق الاتحاد، بتسهيلها تنقل الأفراد والسلع والبضائع والتجارة داخل الفضاء الخليجي، وبالفعل شهدت بعض دول المجلس ظهور خطوط داخلية للسكك الحديدية تربط بين مدنها، وهي خطوة أساسية في الطريق لظهور القطار الخليجي السريع الذي يمتد من الكويت إلى ظفار.
وفي الطريق لتحقيق هذا الحلم، وقعت شركة قطارات عُمان والاتحاد للقطارات المطورين والمشغلين لشبكة السكك الحديدية في سلطنة عُمان ودولة الإمارات، اتفاقية لتأسيس شركة مملوكة مناصفة بين الدولتين، لإنشاء شبكة قطارات تربط ميناء صحار بشبكة السكك الحديدية الإماراتية، بتكلفة مليار و160 مليون ريال، ويهدف البلدان من خلال هذه الاتفاقية لفتح آفاق جديدة من التعاون في مجالات البنية الأساسية والنقل والخدمات اللوجستية، التي يتيحها مشروع ربط البلدين بالسكك الحديدية والذي سيسهم في تعزيز الحركة التجارية والترابط الاجتماعي، من خلال ربط المناطق الاقتصادية والصناعية والتجارية في البلدين، وكذلك تسهيل تنقل السكان بين الجانبين، عبر وسيلة مواصلات سريعة وآمنة وقليلة التكلفة، كما سيسهم المشروع في زيادة الحركة السياحية والاستفادة من الميزات النسبية الجاذبة للسياح في كلا البلدين.
وستكون البداية بقطار يربط ولاية صحار بإمارة أبوظبي لمسافة 303 كيلومترات، يراعى في إنشائه أعلى معايير الأمان والسلامة والبيئة وفق المواصفات الدولية، وتصل سرعة قطار الركاب إلى 200 كيلومتر في الساعة، ويقطع المسافة بين صحار وأبوظبي في 147 دقيقة، بينما تصل سرعة قطار البضائع إلى 120 كيلومترا.
ويعول على هذا المشروع أن يسهم في رفع كفاءة منظومة سلاسل التوريد وتسهيل حركة التجارة عبر الحدود بين البلدين، ورفع مستوى التنافسية وخفض أسعار السلع والبضائع لانخفاض تكلفة النقل مقارنة بوسائل النقل الأخرى، كما سيوفر المشروع أثناء فترة تنفيذه آلاف فرص العمل في كافة التخصصات، وسيسهم في تأهيل الكوادر والخبرات الوطنية، وتعزيز تنافسية البلدين على خريطة التجارة الدولية، وتحويل ميناء صحار إلى محور لوجستي للاستيراد والتصدير والتوزيع إلى الأسواق الإقليمية.
وإنشاء شبكة للسكك الحديدية يعد إضافة نوعية لشركات القطاع الخاص العاملة في مجالات الإنشاءات المدنية واللوجستيات، ومحفزا لمختلف الشركات الصناعية والأنشطة الاقتصادية المصاحبة، بما يوفره من فرص تجارية واستثمارية واعدة سيستفيد منها القطاع الخاص في البلدين التي ستسند لشركاته مهمة القيام بالأعمال الإنشائية للمشروع، مع ما تولده هذه الأنشطة من فرص للشركات المتوسطة والصغيرة.
تأتي السكك الحديدية لتطلق عهدا جديدا من علاقات التعاون بين الدولتين الجارتين، والتي كللتها زيارة سمو الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات لأخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي لاقت ترحيبا شعبيا كبيرا من مواطني البلدين، الذين يعلقون آمالا كبيرة على ثمار هذه الزيارة، ويستبشرون خيرا بأنها ستفتح طاقات أمل متعددة تعود بالخير اقتصاديا واجتماعيا على شعبي البلدين، وسيكون قطار صحار أبوظبي فصلا جديدا من التكامل والازدهار، وخريطة طريق لتنمية مستدامة تسهم ـ بإذن الله ـ في تمتين العلاقات التاريخية الراسخة بين عُمان والإمارات.

محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري