غير أن القارئ بذات الوقت يريد أن يعرف خلفية الخبر أو الحدث عبر قصة تلبِّي شغفه بالأخبار، وهذه الخدمة توفرها الصحافة المكتوبة التي تغوص في عمق الحدث بالمتابعة والاستقصاء الميداني..
في قراءة سابقة حول التحدِّيات التي تواجهها الصحافة في ظل العالم الرقمي، توقعت قدرة الصحافة على مواجهة هذا الاستحقاق مثلما واجه الراديو التلفزيون، وبقي صامدا لم تنل منه شظايا القادم الجديد على تواصله مع الجمهور.
لقد حاولت الصحافة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، لا سيما الفيسبوك وتويتر وغيرها، أن تزيح الصحافة للقيام بدور المنبئ الجوي ـ إن جاز التعبير ـ في رصد الأحداث التي نعيشها يوميا قبل وقوعها وحتى بعد حدوثها.
صحيح أن اشتراطات العصر الرقمي الجديد زحف على دور ومهام موجبات الصحافة المكتوبة، ورغم ما أصابها جرَّاء تغوُّل التكنولوجيا على مستقبلها، إلا أنها قاومت هذا التحدِّي بالانتقال من الأساليب القديمة إلى أساليب مبتكرة وحديثة لمواجهة سرعة انتقال الخبر والحدث لحظة وقوعه عبر استقصاء الخبر والحدث وتحليله، والانتقال بالصحافة الورقية إلى مرحلة جديدة في عرض بضاعتها للقارئ وتجربة الراديو أمامنا صمد عندما ظهر التلفزيون ولم يندثر.
نحن في سوق يعج بالبضائع المتنوعة من حيث المنشأ والسعر، والقارئ هو الهدف، وكلما كنت صادقا وقريبا من نبض الشارع اتسعت شهرتك وتأثيرك، وغياب المعايير الصحفية هو بسبب الدخلاء وأنصاف الصحفيين وشراء الذمم والمال السياسي الذي يسقط الصحفي في المحظور.
وعندما نحدد مسار مقاومة التغوُّل التكنولوجي، فإننا نحتاج إلى صناعة الصحفي الشامل وخلفيته الثقافية والسياسية والمعرفية، فمن دون هذه الاشتراطات سيجد الصحفي المبتدئ مصاعب جمة في مشواره الصحفي، لا سيما تخصصه في أحد أنماط العمل الصحفي.
فالفكرة وبلورتها وتجسيدها على الواقع المعاش هي من ضرورات المدخل للكتابة، فمن دون تحديد بوصلتها لا يمكن للصحفي أن يظهر مهارته، ويبسط الفكرة ويسلط الضوء عليها، ويعرضها للجمهور.
والسؤال الذي بات يشغل بال المشتغلين بالصحافة الورقية هو: هل التطور التكنولوجي السريع في نقل المعلومات والأخبار ومواكبتها تسبب في التأثير على الصحافة التقليدية؟
نعم قد يتسبب في عزوف القارئ عن متابعة ما يدور حوله عبر الصحافة الورقية، غير أن القارئ بذات الوقت يريد أن يعرف خلفية الخبر أو الحدث عبر قصة تلبِّي شغفه بالأخبار، وهذه الخدمة توفرها الصحافة المكتوبة التي تغوص في عمق الحدث بالمتابعة والاستقصاء الميداني الذي يجعل المصدر ومصداقيته عنوان القصة الخبرية التي يحتاجها القارئ.
استنادا إلى ما تقدم، فإن قواعد الاشتباك بين السلطتين تغيرت وباتت، تطرح مقاربتين في التعاطي مع ما يجري على الأرض، والهدف فيهما المتلقي الذي يبحث عن الحقيقة من دون مؤثرات ومبالغات، وهي مهمة نجحت الصحافة الورقية في تقديمها كوجبة خبرية دسمة ومتكاملة للجمهور.
إذًا الصحافة الورقية رغم ما أصابها من فيروسات التكنولوجيا، فإنها تقاوم وتنافس منصَّات التواصل في متابعة الحدث، ليس بالسبق الصحفي فحسب، وإنما بمتابعة محتواه وخلفيته وأسبابه، وتفتح للقارئ منصَّة أبوابها مشرعة أمام الجمهور ومزاجه الذي بات أقرب إليه رغم المغريات.

أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]