ما أريده حقا هنا من الجميع هو التمسك بشعور الامتنان، حيث إنه يرتبط وبشكلٍ جلي بتحسين الرضا عن الحياة، وزيادة الشعور بالسعادة، والقدرة الأكبر على تكوين العلاقات والحفاظ عليها، طبعا من بين مزايا أخرى.
نتابع عادة كيف أن الناس لديها خطوط أساسية مختلفة للصحة، بحيث يكون البعض أكثر أو أقل تقديرا لأي حالة كانوا فيها. ومع ذلك، فقد رثى البشر منذ دهور ولت فرحة الراحة، والتي أعتقد أحيانا بأنها سريعة الزوال. فيتجلى الشعور في جميع الظروف بأن الصحة لا تقدر حتى يأتي المرض.
بعبارة أخرى، الكثير منا سيئون جدا في تقدير الصحة الجيدة عندما نكون محظوظين بما يكفي لامتلاكها. وأي شخص يعاني من هذا الامتنان الفائق من غير المرجح أن يتمسك به لفترة طويلة. ألست معي أنه بحلول صباح ذلك اليوم بعد أن تلاشت أعراض المرض، كنت منشغلا في رسائل البريد الإلكتروني وتعمل مرة أخرى، غير مدرك أنه قبل أربع وعشرين أو ثمانٍ وأربعين ساعة فقط، كنت بالكاد تستطيع الجلوس منتصبا في السرير، ناهيك عن مكتبك أو مكان عملك؟ ألا يزعجك ذلك؟ هل أنت لهذه الدرجة لم تستطع تقدير الصحة؟ وهل هنالك بالواقع أي شيء يمكنك فعله للتغيير؟ ومع ذلك فإنه من المؤكد ستلاحظ بعض الناس يمرون بتجارب مرضية أو إصابات خطيرة تغير نظرتهم للحياة بالكامل.
وحقيقة هناك تكاليف حقيقية لأخذ الصحة كأمر مسلَّم به. أولا، يمكن أن يجعلك أقل صحة، إذا كنت لا تعتني بنفسك نتيجة لذلك. من ناحية أخرى، يعد الحفاظ على مستوى معيَّن من التقدير طريقة جيدة، خصوصا وأنه طوال فترة الوباء (كوفيد-١٩)، على سبيل المثال، كانت هنالك هذه اللغة حول كيف أن الأشخاص (الوحيدين فقط) الذين يموتون هم كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية موجودة مسبقا، وكأننا نزرع قبول ذلك أو كما لو كانت هذه الوفيات أكثر قبولا!
ما أريده حقا هنا من الجميع هو التمسك بشعور الامتنان، حيث إنه يرتبط وبشكلٍ جلي بتحسين الرضا عن الحياة، وزيادة الشعور بالسعادة، والقدرة الأكبر على تكوين العلاقات والحفاظ عليها، طبعا من بين مزايا أخرى. وكما يبدو لي فإن تعلم تقدير النعم اليومية هي حقا مثل التمتع بصحة جيدة أو تناول الطعام المفضل لديك. مثلها أيضا مثل القدرة على الاستفادة من مصدر متجدد للقناعة، خصوصًا وأنه من السهل دائما العثور على التوتر في الحياة!
ومن هذا المنطلق، فإن إحدى طرق تحقيق أقصى استفادة من الامتنان هي إعادة صياغة الطريقة التي يميل الناس إلى التفكير بها. ناهيك وأن هنالك اعتقادا ناقصا ومحددا لمعنى الامتنان الحقيقي، وهو أن الامتنان عاطفة إيجابية تنتج عن شيء جيد يحدث لنا. ولكني أجده حقيقة عاطفة، بل وأيضا تصرفا، وشكرا غير محدود يمكننا تعلمه أيضا، من خلال تطوير عادات تُسهم في المزيد من الوعي المستمر، بدلا من رد الفعل الشرطي ـ إن استطعت القول ـ على الظروف المتغيرة باستمرار. فكيف يبدو هذا عمليا؟! لا أعرف أنه يمكننا، ولكن علينا مع كل نفس لدينا في كل لحظة، أن نشعر بالامتنان لأننا نتنفس.
ولذلك ومع التفكير لمعنى الامتنان ستجده أيضا فعلا، أقرب إلى المفهوم التاريخي للامتنان، والذي كان مرتبطا بأفكار مثل الواجب والمعاملة بالمثل ـ عندما يفعل شخص ما شيئا لطيفا من أجلنا، من المتوقع أن نرد الجميل ـ. وبهذا المعنى نصل إلى أن الشعور بالامتنان لجسمك ربما يعني بذل قصارى جهدك للعناية به (وربما الامتناع عن السلوكيات المحفوفة بالمخاطر).
وهكذا وكما شاهدنا في العامين الماضيين، كيف أن (كوفيد-١٩) يظهر أن أي شخص يمكن أن يمرض، وربما بشكلٍ خطير. الآن، فإن النهاية تلوح في الأفق للوباء، والمغري أن نتخيل أن البشرية على وشك الاستيقاظ في الصباح بعد مرض كارثي.
ختاما، ربما يمكن للفعل البسيط المتمثل في تذكر الصحة التي ما زلنا نتمتع بها في أعقاب الوباء أن يحدث فرقا بسيطا في كيفية المُضي قُدما، حتى وإن لم يكن كمجتمع، فعندئذ على الأقل كأفراد. وجزما في الوقت الحالي، كل يوم، ما زلت تحصل على فرصة ذهبية للمحاولة والمحافظة على صحتك... فخذها!

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]