أتناول عبر سلسلة أسس العلاج بالاستنارة مبدأ مهم يظهر الطبيعة الثنائية للإنسان كما ورد ذلك في قول الله تعالى:(إذ قالَ ربُّك للملائكةِ إنّي خالقٌ بشرًا من طين، فإذا سويته ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين)، فالإنسان مخلوق مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد، مزدوج الاتجاه.
ويتجلى هذا الازدواج بالتحديد أنه بطبيعة تكوينه من قبضة الطين ومن نفحة الروح، فهو مزود باستعدادات فطرية للاتصال بالنور أو الاستسلام للظلام، فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر، كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواءً بسواء، وأن هذه القدرة كامنة في كيانه، يعبر عنها القرآن الكريم بالإلهام تارة ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، ويعبر عنها بالهداية تارة:)وهديناه النجدين(، فهي كامنة في صميمه في صورة استعداد، والرسالات والتوجيهات والعوامل الخارجية إنما توقظ هذه الاستعدادات وتشحذها وتوجهها هنا أو هناك، وهنالك إذن تبعة مترتبة على منح الإنسان هذه القوة الواعية القادرة على الاختيار وتوجيه الاستعدادات الفطرية القابلة للاستنارة.
وهي حرية تقابلها مسؤولية، وقدرة مقيّدة بالتكليف والعمل للاستضاءة بنور الله.
وهذه الثنائية الممنوحة للإنسان تحقق مشيئة الله فيه، فهي أولا ترتفع بقيمة هذا الكائن الإنساني، حين تجعله أهلا لاحتمال تبعة اتجاهه، وتمنحه حرية الاختيار (في إطار المشيئة الإلهية التي شاءت له هذه الحرية فيما يختار)، فالحرية والتبعة يضعان هذا الكائن في مكان كريم، ويقرران له في هذا الوجود منزلة عالية تليق بالخليفة الذي نفخ الله فيه من روحه وسوّاه بيده، وفضّلها على كثير من العالمين، وهي تلقي على الإنسان مسؤولية مصيره، وتجعل المسؤولية عن حياته تحت تصرفه، وتوقظ في عقله وروحه وحسه قابلية التحرر واليقظة وصولا إلى حالة الاستنارة الروحية والنفسية.
وهذا يتطلب من الإنسان تنشيط الاتصال بالله سبحانه وتعالى، ليبقى متّصلًا بالنور، مسترشدًا بنوره، حتى لا يقع في متاهات الطريق، وإذا حدث أن غفل الإنسان أو اتبع هواه فإنه يضل عن الطريق ويبتعد عن مصدره النوراني.
من هنا يمكن تدريب الإنسان على ممارسة تقنيات عديدة لتنشيط بعده النوراني الذي يتيح له استنزال النور من الله سبحانه وتعالى، ويأتي في مقدمة هذه التقنيات التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالتوحيد والعبادة والذكر ثم التأمل والتفكر، فالله سبحانه وتعالى يقول:(أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه)، فعندما يشغل الإنسان عقله بالتأمل ولسانه بالذكر سواء أكان جالسًا أو ماشيًا؛ فإنه يفتح مسارًا من النور بينه وبين خالقه، الذي سيفيض في عقله ومضات إبداعية تتمثل في التفكير الإبداعي أو في الشفاء الذاتي أو في تحقيق الراحة والطمأنينة والسعادة.
ويمكننا أن نمارس الخطوات التالية: اختيار مكان بعيد عن الضوضاء والصخب، ويتيح المجال للاسترخاء، مكانا يساعد على التركيز والتخلص من التشتت الذهني، ثم تستحضر نية العثور على فكرة إبداعية أو حل المشكلة التي تعاني منها أو الشفاء من المرض أو تتذكر شيئا معينا، وفي الخطوة الثالثة التزم بالتأمل مركزا كل انتباهك على التنفس وأعضاء الجسم حتى يتحد الجسد مع العقل وهنا تتحرر الطاقة الروحية وتتحقق الاستنارة.


* د ـ أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية