يشكل البحث العلمي أحد أولويات الدول، خاصة عندما نتحدث عن الدول الكبرى التي أولت قطاع البحث العلمي والابتكار رعاية خاصة ضمن خططها وبرامجها وموازناتها السنوية، بل بات جزءا من منظومتها وسياساتها، فالولايات المتحدة الأميركية وهي الأولى في هذا المجال تنفق سنويا 656 مليار دولار أميركي، تتبعها الصين بواقع 526 مليار دولار، وهو ما يمثل 50 بالمائة من حجم الإنفاق العالمي على مشاريع البحث العلمي والابتكار.
ورغم الجهود المبذولة لاحتواء مشاريع البحث العلمي في سلطنة عمان ، تبقى هناك الكثير من التحديات والصعوبات التي تواجه مشاريع البحث العلمي، وتتمثل في الكثير من جوانب الرعاية لمشاريع البحوث والدراسات، نتحدث هنا عن ضعف حجم الإنفاق على القطاع، وعن دعم المبتكرين والباحثين ومؤسسات البحث العلمي من جامعات ومؤسسات وشركات حكومية أو خاصة، عن حجم الإنفاق ، والقدرة المالية والبشرية لمؤسساتنا البحثية، عن الكثير من الجوانب التي يجب الوقوف عليها إذا ما أردنا بالفعل أن نوجد لأنفسنا مكانا وموقعا على خريطة المراكز البحثية العالمية.
ويرى الكثيرون اليوم وفي ضوء اتساع نطاق مشاريع البحث العملي أهمية العمل على تأسيس جهة مستقلة معنية برعاية الباحثين والمبتكرين، مؤسسة بحثية بقدرات عالمية تمتلك الإمكانيات المادية والبشرية، تقوم على تبني المشاريع البحثية المختلفة، بجانب دعم المؤسسات البحثية القائمة، وتوفير البيئة المناسبة والمشجعة والمحفزة لتطويرها، مع العناية بالشباب وقدراتهم .
إن وجود رؤية واضحة ومكتملة للبحث العلمي والابتكار في سلطنة عمان أصبح ضرورة في هذه المرحلة المهمة، خطة بعيدة المدى تراعي التطورات والمتغيرات والتوجهات العالمية، يشترك في صياغتها والإعداد لها المؤسسات البحثية المتمثلة في مؤسساتنا الحكومية والخاصة والجامعات والباحثين والمبتكرين، وهو ما يؤسس لقاعدة قوية لهذه الصناعة المتنامية التي عززت من حضورها العالمي عبر تبني مشاريع بحثية نوعية في قطاعات ومجالات عديدة ومتنوعة اقتصادية وصحية واجتماعية وبيئية وغيرها الكثير من الجوانب التي أصبحت ضرورة في حياة المجتمعات والشعوب.
ورغم الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية، فمن المهم وفي ضوء ما يشهده هذا القطاع من نمو واهتمام أن تكون هناك رؤية للارتقاء بمشاريع البحث العلمي التي تقوم على رعاية المؤسسات البحثية القائمة، وتمكينها، بالإضافة إلى تبني المشاريع البحثية ذات الجدوى الاقتصادية، وإيجاد شراكات مع المؤسسات البحثية العالمية، وتعزيز البرامج التي تنهض بطاقاتنا البشرية العمانية، واستثمار الفرص المتاحة.
لقد اثبتت مؤسساتنا البحثية المختلفة قدرات عالية رغم إمكانياتها المتواضعة، وتمكنت من تحقيق العديد من النتائج والإنجازات المشرفة إقليميًا ودوليا، وفازت المشاريع والبحوث والابتكارات بتقدير واحترام الباحثين حول العالم، لكن هذه المؤسسات بحاجة لدعم أكبر، كما أن المشاريع الفائزة هي بحاجة أيضا لدعم ورعاية من قبل مؤسساتنا الوطنية الحكومية والخاصة خاصة المشاريع التي يمكن أن تشكل قيمة مضافة لقطاعاتنا المختلفة.
واحدة من المحاور المهمة لرؤية “عمان 2040”، تؤكد على أهمية بناء منظومة وطنية فاعلة للبحث العلمي والإبداع والابتكار تسهم في بناء اقتصاد المعرفة، إضافة إلى قياس مساهمة الإنفاق على البحث والتطوير في الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك بهدف توفير المؤشرات التي تعكس مستوى السلطنة عالميًا في مجال العلوم والتقانة؛ بما فيها مؤشرات أهداف التنمية المستدامة وترتيب سلطنة عُمان في مجال البحث والتطوير.
وبحسب الإحصائيات الصادرة من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات فقد بلغت نفقات القطاع الخاص في البحث والتطوير التجريبي 54 مليون ريال لسنة 2020 بارتفاع نسبته 157% مقارنة مع 2018، في حين انخفضت نفقات قطاعي الحكومة والتعليم العالي لسنة 2020 لتصل إلى 38 مليون ريال، بنسبة تراجع 17% مقارنة مع 2018.
وفيما يتعلق بعدد المشتغلين في البحث والتطوير التجريبي، وحسب القطاع والنشاط الاقتصادي، فقد بلغ عدد المشتغلين بوقت كامل في البحث والتطوير التجريبي في أنشطة التعليم العالي 1119 مشتغلًا، في حين بلغ عدد المشتغلين بوقت كامل في البحث والتطوير التجريبي في أنشطة الإدارة العامة 956 مشتغلًا.
هذه الأرقام تبقى متواضعة، مقارنة بحجم الإنفاق على مشاريع البحث العلمي إقليمًا ودوليا، نتطلع إلى أن تنمو وتكبر مشاريع البحث والابتكار لنضع لانفسنا بصمة وحضورا مشرفا ومتقدما في هذا المجال ، وهو كما أشرنا بحاجة لتكاتف جهود جميع المؤسسات المعنية ، وبأن تكون هناك رؤية واضحة ومدروسة ، فطاقات الشباب هي القوة الدافعة لنمو وتقدم الأمم والبحث العلمي يعتبر من الأساسيات الضرورية لتطور وتقدم الأمم.




* مصطفى المعمري
كاتب عماني