شعرت بالفخر والاعتزاز عندما أعلنت شرطة عُمان السُّلطانية عن انضمام دفعة جديدة من المنتسبات لمعهد الشرطة النسائية بأكاديمية السُّلطان قابوس لعلوم الشرطة بعد اجتيازهن اختبارات التقييم، ليدخلن بذلك مرحلة من التدريب العسكري والقانوني والأكاديمي والعملي على واجبات ومهام العمل بشرطة عُمان السُّلطانية.. وهذا القبول لأخواتنا الشرطيات يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أن دور المرأة العُمانية في المجتمع لا يقتصر على المجالات المدنية فقط بل العسكرية أيضا.. فهي تقف بجانب أخيها الرجل تؤازره وتسانده لتحقيق التنمية والنهضة والتقدم إلى جانب استتباب الأمن وحماية الوطن من كل ما ينغص عليه أمانه واستقراره.
إن انضمام المرأة لشرطة عُمان السُّلطانية بدأ مع بواكير النهضة المباركة، وكان ذلك مطلع عام 1972م بتعيين الملازم المتقاعد آمنة بنت سالم الهاشمية كمفتشة في مطار السيب الدولي لتفتيش النساء المسافرات لتكون أول امرأة تخوض هذا المجال.. ثم تخرج أول فصيل نسائي عام 1974م لتبدأ الشرطية تحمل مسؤوليتها في حفظ الأمن والنظام، وتقديم كافة الخدمات المنوطة بها وأداء واجبها الوطني على أكمل وجه بكل همة ونشاط واقتدار فقدمت العديد من الإسهامات التي ينقشها التاريخ بماء الذهب.
لقد آمنت قيادتنا الحكيمة بدور المرأة العُمانية الفاعل في بناء النهضة، وفتحت لها الأبواب مشرعة للمساهمة في تقدم المجتمع على كافة الأصعدة وفي كل المجالات وسخرت لها الإمكانيات المادية واللوجستية والبشرية، وكل ما من شأنه تعزيز دورها الوطني فاستغلت حواء الفرصة، وتعاملت مع الأمر بكل جدية وتفانٍ وكانت وما زالت خير السند والعون لأخيها الرجل.
أما دورها الشُّرطي فهو يتواءم تماما مع عادات وتقاليد مجتمعنا التي تحفظ للمرأة حقها، حيث كان لا بُدَّ من الاستعانة بالنساء في الشؤون التي تتعلق بالعنصر النسائي، سواء في عمليات التفتيش مثلا بالمطارات وغيرها أو عمليات الضبط والمداهمات الخاصة بالنساء وتفتيشهن إلى جانب دورها البالغ في توعية النساء لتربية أبنائهن على تجنب الوقوع في الخطأ الذي يؤدي إلى المساءلة القانونية، وبالتالي الحدّ من الجريمة في المجتمع.
إن مسؤولية الشرطية عظيمة وأمانة كبيرة، وندعو الله أن يوفق الدفعات الجديدة في تحملها، وأن تستمر المرأة العُمانية كما عودتنا دائما في طريقها بكل نجاح وتقدم.
✱✱✱
يُعد التصحر من أخطر الظواهر الطبيعية التي تشكِّل تحدِّيا بيئيا صعبا من الممكن أن تواجهه أية دولة، فهو يهدد البساط الأخضر والتنمية الزراعية، وينذر بتشريد أهلها وهلاك الثروة الحيوانية.. لذا نجد أن معظم المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية تقوم بالعديد من الفعاليات التي تهدف إلى التوعية بمخاطر ظاهرة التصحر ووضع خطط العمل اللازمة لحماية الأراضي الجافة.
وتُعد بلادنا الحبيبة من الدول شديدة الجفاف أو الصحراوية وذلك بسبب طبيعة المناخ والعوامل الطبيعية، حيث تقدر مساحة الصحراء بها بأكثر من 95%، إلا أن هناك عوامل أخرى بشرية تُسهم في زيادة معدل التصحر، وتقضي على كل محاولة لمقاومة هذه الظاهرة الطبيعية والتقليل منها.. وهذا ما يجب الوقوف عنده ودراسته والبحث عن أسبابه، خصوصا أن ظاهرة التصحر تشكِّل تحدِّيا أمام التقدم الاقتصادي والاجتماعي والتنموي لأي دولة حين تنتشر الأراضي القاحلة التي لا طائل مرجو من ورائها، وتحل محلَّ الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة.
نحن لا ننكر أن ارتفاع درجة حرارة الجو وندرة المياه والعواصف وزحف الرمال من أهم الأسباب الطبيعية التي تساعد على تصحر أراضينا.. إلا أن هناك بعض السلوكيات الخاطئة تُسهم كذلك في انحسار الغطاء النباتي من الأراضي الخضراء مثل الرعي الجائر والزحف العمراني بالبناء فوق الأراضي الصالحة للزراعة وقيادة المركبات على تلك الأراضي، وعدم الالتزام بالطرق المشيدة من أجل هذا الغرض، بالإضافة إلى الإسراف في بعض موارد المياه وتملح المياه الجوفية.. ونرى أن هناك عدة مناطق بدأت تتضرر بصورة ملحوظة من هذه التصرفات مثل ساحل الباطنة وما يحتويه من سهول ساحلية وجبال الحجر الشمالية والوديان في محافظات الوسطى والداخلية وظفار وغيرها.
لقد منَّ الله سبحانه وتعالى على أرضنا المعطاءة بالخصوبة وصلاحيتها للزراعة، خصوصا النخيل بأنواعه المختلفة حتى أصبحت سلطنة عُمان من أولى الدول في إنتاج أجود أنواع التمور التي تتنوع ألوانها وأذواقها وتُعد النخلة إلى جانب فائدتها الاقتصادية فإنها جزء من التراث الوطني الذي يعتز به كل عُماني.. من هنا فإن حكومتنا الرشيدة ارتأت أنه من الضروري والمفيد إشراك المواطن على نطاق واسع في زيادة الرقعة الزراعية وتجميل المدن، وبالفعل قامت البلديات بنشر الوعي بأهمية وضرورة العمل الجماعي وتكامل الجهود في هذه المجالات.. كما وضعت هيئة البيئة الخطط العديدة لمقاومة التصحر ورصدت المناطق التي تعاني من تدهور في الغطاء النباتي نتيجة النشاط البشري، وأقامت العديد من المشاريع التي تصب في تحقيق هدفها مثل تجميع مياه الضباب بمحافظة ظفار واستزراع نباتات مقاومة للجفاف والملوحة واستخدام مياه الصرف المعالجة في ري الزراعات التجميلية، بالإضافة إلى استكشاف أماكن المياه الجوفية، وتشجيع المواطنين على التشجير وإنشاء الأحزمة الشجرية الواقية من زحف الصحراء وترشيد الرعي وغير ذلك من الجهود التي تعمل على تحويل الصحراء إلى أراض خضراء.
إن ظاهرة التصحر عالمية وتهدد البشرية جميعها، خصوصا في ظل التلوث والاحتباس الحراري الذي يرفع من درجة حرارة الأرض ويساعد على ندرة المياه وزيادة ملوحتها، وهو ما ينذر بحدوث حروب على الموارد المائية والغذاء.. وللأسف يرجع السبب الرئيسي للتصحر إلى الأنشطة البشرية وسوء استغلال الإنسان للبيئة واستنزافه غير المسؤول للموارد الطبيعية فكانت النتيجة أن الإنسان هو أول ضحاياه بتعرضه لخطر المجاعات والجفاف والتشرد إلى جانب تدهور التنوع البيولوجي على سطح المعمورة وانقراض أندر أنواع الطيور والحيوانات والنباتات.
لقد خلق الله الأرض وفق نظام بيئي متوازن دقيق، لكن للأسف نتيجة لتدخل الإنسان الجائر والصراع الذي يعيش فيه مع نفسه وأخيه والطبيعة نفسها اختل هذا النظام، وأصبحت تعاني البيئة من تدهور وكوارث تعد نكبة على البشرية لما تسببه من حدوث انعدام للأمن الغذائي والمجاعة والفقر بل يمكن أن يتسبب في حدوث توترات اجتماعية ‏واقتصادية وسياسية يمكنها أن تحدث نزاعات ومزيدا من الفقر وتدهورا في الأراضي.
لا شك أن ظاهرة التصحر خطيرة تستوجب تضافر الجهود الدولية والتخطيط السليم كي يتم القضاء عليها رغم أن الحل بسيط ويكمن في زيادة مساحة الأراضي المزروعة مع الحفاظ على ما تبقى من غابات وحشائش، بالإضافة إلى تنظيم الرعي وصيانة الموارد المائية وحمايتها وتطوير القدرات البشرية وتمويل المشاريع والأبحاث ذات العلاقة ونشر الوعي البيئي بين المواطنين، خصوصا المزارعين وأصحاب المواشي والرعاة.
نتمنى أن تتمكن حكومتنا الرشيدة من وقف تدهور الأراضي الخضراء، فكل منا يحلم بأن يرى بلادنا جنة الله في أرضه وتصبح عُمان بأكملها خضراء.. أدام الله على وطننا الحبيب الخصب والجمال.

ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني