يُعد الإعلام الاقتصادي هو من أهم وأسمى أهداف الدبلوماسية الاقتصادية، والتي توفر فرصة للأفراد للإفلات من براثن الفقر وتحسين معيشتهم، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام في البلد من خلال مساندة تنمية القطاع الخاص..

يُعد الإعلام الاقتصادي هو الواجهة لكل بلد بعيدًا عن الانتماءات الحزبية أو الدينية أو المذهبية، حيث يعكس غالبًا إيجابيات ومميزات عجلة التنمية في كل بلد. وبدأت الدول المتقدمة تطوِّر النظريات والمفاهيم في هذا المجال الإعلامي، خصوصًا بعد الحرب العالمية الأولى، حيث اتجهت نحو إقامة علاقاتها الدبلوماسية استنادًا إلى الثقل الاقتصادي المتنوع في ذلك البلد.
يُعد فن الدبلوماسية والإعلام الاقتصادي مثل سكة الحديد خطَّين متوازيين متساويين بالطول، ومتشابهين بجميع المواصفات، وبالتالي البلد الذي يرنو إلى الوصول إلى اقتصاد مميز ضمن رؤية مدروسة مستندًا إلى الواقع المتغير بالسوق العالمي، عليه الاستعانة بالمختصين بهذا العلم؛ لكي يحقق أهدافه سواء الاستراتيجية أو التكتيكية.
يُعد الإعلام الاقتصادي في كل بلد هو المرآة العاكسة لكل الأنشطة والمجالات، حيث يكرس خبراء الاقتصاد كل تحركاتهم وتوجُّهاتهم الاستراتيجية باتجاه بناء اقتصاد متين معتمدين على الحوافز والحزم التي توفرها الدولة، والتي تبدأ بنشر هذه المعلومات من قبل المصادر الحكومية المختصة لتصل إلى بعثاتنا الخارجية، سواء بوجود (ملحق إعلامي أو ملحق تجاري) لغرض جذب رؤوس الأموال والمستثمرين لدعم عجلة التنمية، وبناء صناعة واقتصاد حديث ومتطور ينافس الدول الأخرى.
ويُعد العراق الشقيق في فترة ثمانينيات القرن الماضي، وخصوصًا بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية مثالًا واضحًا (لفن الدبلوماسية والإعلام الاقتصادي) حيث قدمت السفارات والبعثات الخارجية التقارير الاقتصادية لجذب واستقدام الخبرات الأجنبية ورؤوس الأموال التي هيأت البنى التحتية لصناعة عراقية متطورة، بحيث أصبح البلد صناعيًّا بفضل الخبراء والقيادة الرشيقة المركزية آنذاك، وكانت هناك هيئة الصناعات الخفيفة المتخصصة في صناعة وإنتاج التلفزيونات والثلاجات وغيرها من احتياجات المواطن، ناهيك عن تشغيل آلاف من الخريجين، بالإضافة إلى الصناعات الثقيلة مثل الشاحنات والسيارات والحافلات بفترة قياسية كبيرة بعيدًا عن الصناعة العسكرية المتطورة والتي بدأت تنافس الدول الكبرى. ولا ننسى أبدًا التطور الاقتصادي الكبير في جمهورية مصر العربية الشقيقة في جميع المجالات رغم قلة الموارد المالية، إلا أنها بدأت تخطو خطوات ثابتة باتجاه بناء اقتصاد وطني رصين من خلال جذب رؤوس الأموال وكبرى الشركات.
تتنافس الدول المتقدمة في وضع الخطط الاستراتيجية والرؤية الواضحة لاجتذاب رؤوس الأموال النظيفة والمستثمرين بغية تطوير بلدانهم في جميع المجالات الاقتصادية والصناعية والصحية وحتى الدينية منها، ومواكبة عجلة التقدم التكنولوجي الرقمي الحاصل في مختلف الدول الجاذبة والحاضنة لرؤوس الأموال والمستثمرين، وإيجاد وسائل جديدة واعدة لربط رأس المال المخصص للاستثمار بالفرص المتاحة في الدول لغرض تحسين فرص العمل، وتنويع أبواب الرزق إلى جانب تحقيق عائدات طيبة في الوقت ذاته.
يؤدي الإعلام الاقتصادي الدور الأساسي والجوهري في عجلة معالجة التضخم الحاصل، وتحقيق فائض في خزينة الدولة ودعم الصندوق السيادي، وتؤدي البعثات الخارجية بمختلف مناصبها ودرجاتها الوظيفية من دبلوماسيين وملحق (تجاري أو صحي أو ثقافي) بالإضافة إلى إقامة المؤتمرات الدولية داخل البلد وخارجه للتعريف بمقوِّمات التجارة والاقتصاد المميزة للبلد، بالإضافة إلى شرح وافٍ عن التنمية المتصاعدة في الاستثمار في مختلف أروقة ومجالات الحياة.
يُعد الإعلام الاقتصادي هو من أهم وأسمى أهداف الدبلوماسية الاقتصادية، والتي توفر فرصة للأفراد للإفلات من براثن الفقر وتحسين معيشتهم، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام في البلد من خلال مساندة تنمية القطاع الخاص، وتعبئة رؤوس الأموال الخاصة، وتقديم المشورة وخدمات تخفيف المخاطر لمؤسسات الأعمال القطاع الخاص والمختلط وكذلك الحكومي.
إن تهيئة المناخ الاستثماري في البلد، وتسهيل عمل وإنجاز مهام المستثمرين إلكترونيًّا مستعينين بخبراء ومختصين في الإعلام الاقتصادي، هي من أهم ما يفتش وينظر إليها المستثمر بعين الاحترام والتقدير، وبعض الدول تتنافس في إنجاز معاملات وأوراق ومهام المستثمر بالساعات ومنحه الفرص والموافقات الرسمية وهو جالس في الفندق بعيدًا عن الشروط والمستمسكات الورقية الروتينية المقيتة المطلوبة؛ لكونه سوف يدخل ويستثمر في البلد بالآلاف أو الملايين من الدولارات، حيث إن الخدمة المميزة له ستشكِّل خطوة مهمَّة ومتقدمة في تسهيل الأعمال وجذب الاستثمار مستندا إلى المعلومة التي وصلت إليه من خلال الإعلام.
ويُعد الإعلام الاقتصادي من أبرز فروع الإعلام، حيث يسعى بمتابعة وتحليل المتغيرات الاقتصادية التي تحدث في الساحة العالمية بمختلف تفرعاتها، وتشمل جميع مجالات والتوجهات المتصلة بالاقتصاد، كما يشمل تغطية عمل الشركات الخاصة والعامة وأنشطتها تحت هذه المظلة الإعلامية الاقتصادية، حيث يبذل الخبراء والمختصون الاقتصاديون جهودًا حثيثة في ذلك وإيصال الخلاصة، سواء الإيجابية أو السلبية إلى الجهات المختصة، خصوصًا بعثاتنا الخارجية لكي تتحرك ضمن الإطار المرسوم لها.
كما يُعد الإعلام الاقتصادي إحدى ركائز الدبلوماسية التي تُمثِّل مفاهيم الدعاية والنشر لهذا المشروع أو ذاك، وبالتالي أي مشروع ينشأ بدون عجلة الإعلام الاقتصادي يكون قد ولد أعمى بسبب عدم نشر المعلومات الاقتصادية الكاملة عنه، ويُعد محدود التداول، وبالتالي لا يحقق أهدافه التي تأسس عليها في التغطية الشاملة والوافية والدقيقة للأحداث الاقتصادية.

د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق وأكاديمي