أحيانا تفرح لانتباهة باحث ما وأنت لا تعرفه، فثمَّة موضوعات وقضايا لا تنتبه لأهميتها إلا بعد قراءة أحد العناوين اللافتة، نحن جميعا نعرف أن لكل شيء تاريخا. لكن، ولأن الطفولة معنا وتحيط بنا من كل جانب وترافقنا أينما ذهبنا، فإننا قد لا نفتش في ثناياها وخباياها، كما أننا قد نجهل الكثير من تلك الخبايا، وهذا الأمر ينطبق تماما على “الطفولة في التاريخ” حتى جذب انتباهي كتاب صادر بهذا المعنى عن عالم المعرفة الكويتية، التي ما زالت ترفد المكتبة العربية بكل ما هو مفيد ورائع، الكتاب من تأليف الباحث بيتر ن ستيرنز وترجمة وفيق فائق كريشات.
يتبين لقارئ الكتاب أن الطفولة ليست براءة بعد الولادة ونموًّا ودخول المدرسة ثم المباشرة في سوق العمل على مختلف أشكاله وميادينه وبعد ذلك الانتقال إلى إنجاب الطفولة وهكذا دواليك، بل تكتشف أن الطفولة تتأثر بجميع الظروف والأحوال والتحوُّلات التي شهدتها البَشَرية وعاشها الناس عبر آلاف السنين.
ولمجرد أن تتصفح الكتاب ستجد المغريات في العناوين التي لا تنفك تسحبك للطواف في عوالم الطفولة وسط سيل من المعلومات التاريخية مصحوبة بكم كبير من التحليل والتفسير وإضاءات وافية.
يقول المؤلف “يشهد تاريخ الأطفال والطفولة اتساعا سريعا، بيد أن ربطه بسياق من التاريخ العالمي ربطا مباشرا لا يزال أمرا غير معهود على نحوما، وعلى ما يراه المؤلف، أن العلاقة بين الاثنين تقدم عونا على فهم التاريخ العالمي والطفولة معا”.
صحيح أن نشأة الجنين واحدة في كل زمان ومكان، وصرخة البكاء المعبرة التي يطلقها جميع الأطفال لحظة مواجهة الحياة البَشَرية وعند مشاهدة البَشَر لأول وهلة متشابهة وليس فيها ما يدفع للبحث والتقصي، لكن الكاتب ينتبه لأمر يبدأ في أول حلقة في حياة الطفل، إذ يفتش عن تفاصيل (قمط المواليد) التي يقول إنها نشأت قبل أربعة آلاف سنة، ليس هذا وحده، بل يجول بين القارات والأمم والشعوب متحدثا عن ذلك، مفسرا ذلك بعلاقة الأطفال بالتنقل وحاجة ذلك لهم للحفاظ عليهم.
وتجد الكثير من المعلومات في عناوين عديدة، الطفولة في المجتمعات الزراعية وفي الحضارات الكلاسيكية وما حصل في قضية التأثير الديني، ونظرا لما حصل في الغرب خلال القرون الثلاثة المنصرمة، فإنه يدرس المتغيرات حتى العام 1914 عندما انطلقت الحرب العالمية الأولى.
كذلك ما حصل في المجتمعات الثرية وكيف عاش الأطفال في ظل الثورة الشيوعية وما حصل في الغرب ودول العالم أجمع، حيث الاضطرابات التي شهدها القرن العشرون ومطلع القرن الحادي والعشرين. ممتع أن تلامس تأثر الطفولة وتأثيرها في مراحل وحقب ومتغيرات كثيرة.

وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]