ما بين إرهاب يضرب أطنابه في عموم المنطقة تم إلباسه لبوسًا إسلاميًّا كذبًا وزورًا، وبين إرهاب صهيوني أطغى خرج من رحمه الإرهاب الأول، يتواصل ضياع الحق الفلسطيني وغياب القضية العربية المركزية الأولى (القضية الفلسطينية) من الذاكرة الجمعية العربية، وسط حملات سياسية وإرهابية غير مسبوقة ليس فقط للإطاحة بهذا الشعار المرفوع منذ عقود والذي اغتيل ودفن مع أول قرار تصدره جامعة الدول العربية لجلب حلف شمال الأطلسي لتدمير ليبيا، ومع ثاني قرار لها بإعلان الحرب الاقتصادية الجائرة على الشعب السوري، وثالث قرار لها بتجميد عضوية سوريا العضو المؤسس للجامعة، وبفتح صنابير الأموال لجلب الإرهابيين والمرتزقة وعقد صفقات السلاح لإلحاق سوريا بالعراق وليبيا، وإنما للإطاحة بمفهوم الدولة الفلسطينية المستقلة من الأدبيات السياسية وفي الأعراف السياسية للدول لا سيما الدول المتحالفة استراتيجيًّا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وكذلك الدول المتحالفة والداعمة سرًّا لهذا الكيان الاحتلالي؛ فكل المؤشرات تشير إلى أن كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفاءه ماضون نحو إسقاط مفهوم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة للشعب الفلسطيني وعلى أرضه المغتصبة من كل التزاماتهم التي أعلنوها من قبل، فعلى سبيل المثال أين شعار حل الدولتين الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما في بداية توليه رئاسة الولايات المتحدة، لم يعد له ذكر، بل إن جميع الجهود التي قادها جون كيري وزير الخارجية الأميركي ومن قبله هيلاري كلينتون لم تصب في خانة تحقيق شعار "حل الدولتين"، فأين نتائج المدة التي حددها كيري وهي التسعة أشهر لإنهاء المفاوضات باتفاق بين الجانبين الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي؟
في الحقيقة كانت نتائج التسعة أشهر هي المزيد من نهب الأرض الفلسطينية واغتصابها بتسريع وتيرة الاستيطان وتشريد المزيد من المقدسيين وهدم بيوتهم تحت حجج كاذبة، والاستمرار في تهويد مدينة القدس المحتلة، وانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية وتدنيس المسجد الأقصى والمضي في هدم أساساته، فضلًا عن تقسيمه الزماني والمكاني، ليختم كيان الاحتلال الإسرائيلي هذه الشهور التسعة بعدوان إرهابي على قطاع غزة محدثًا فيها دمارًا هائلًا، ومضاعفًا المعاناة والمآسي والكوارث التي ألحقها بالشعب الفلسطيني في القطاع بتواطؤ دولي معروف وملموس جراء الحصار الجائر والظالم على غزة.
ولعل المحاولات الفلسطينية اليائسة للإفراج عن الأموال الفلسطينية التي يحتجزها المحتل الإسرائيلي بحجة معاقبة السلطة الفلسطينية على انضمامها إلى محكمة الجنايات الدولية، مع رفض أي شكل من أشكال التقارب الوحدوي بين الفلسطينيين ومختلف فصائلهم ورفض تشكيل حكومة وحدة وطنية أو توافق، بالإضافة إلى المزيد من التنمر والعداوة والكراهية والاعتقالات التعسفية التي لم يسلم منها الأطفال كما هو حال ملاك الخطيب، ابنة الرابعة عشرة، التي تعد أصغر أسيرة فلسطينية من بين 214 طفلًا فلسطينيًّا يقبعون حتى يومنا هذا في سجون الاحتلال، وهي واحدة من أربع فتيات تتراوح أعمارهن بين 14 و16 عامًا فقط، وواحدة من بين 1800 طفل فلسطيني أغلبهم من القدس اعتقلوا خلال عام 2014م وغيرها من الجرائم، كل ذلك يؤكد أن لا اعتراف إسرائيليًّا بحقوق الفلسطينيين وفي مقدمتها حق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والأمر الآخر الذي يؤكد هذه الحقيقة أكثر هو إشعال المنطقة بالإرهاب ودعمه ورعايته صهيو ـ غربيًّا وتمزيق أواصرها وتفتيت مجتمعاتها وإثارة الفتن بين مختلف مكوناتها حتى تنسى قضية اسمها القضية الفلسطينية ونكبة اسمها نكبة فلسطين وشعبها، وما التدمير الجاري للدول العربية ـ وفي مقدمتها سوريا والعراق ـ الداعمة لهذه القضية المركزية طوال عقودها إلا أكبر دليل على ذلك.
الفلسطينيون يرفعون شكاواهم إلى الغرب لتحصيل أموالهم من العدو الإسرائيلي، ونسوا أو تناسوا أن هذا الغرب هو القوة الاستعمارية الكبرى التي تقود القاطرة الصهيونية للقضاء على الحقوق الفلسطينية كاملة وطمس كل معالم هذه الحقوق، من خلال تدمير دول المنطقة دولة دولة.