عندما أشاهد تناول الإعلام الغربي للحرب الروسية الأوكرانية، خصوصا تقرير أحد المواقع الإخبارية الأميركية، عن مدينة في شرق أوكرانيا، قال التقرير إنه تم استردادها من القوات الروسية، ويظهر التقرير جثثا أشار المراسل إلى أنها تعود لجنود روس، جثث ملقاة على جوانب الطريق بشكل محبط، ويرسم صورة ذهنية معينة. وفي ذات تلك الوسيلة الإعلامية، نجد لها تقريرا آخر عن الشباب الروسي الذي يترك بلاده خوفا من المشاركة في الحرب، لا يتبادر إلى ذهني إلا موقفان كان لهما تأثير كبير ذاتي في التعاطي مع التناول الإعلامي في وقت الحروب الكبرى، ومدى تأثيره السلبي والإيجابي على سير الدفة، ليس بالزخم السياسي فقط، لكنه يصل أحيانا كثيرة إلى تأثيرات على الجانب العسكري، بجانب هدم الحالة المعنوية للشعب والجيش الروسي، حيث يتضح بشكل لا يقبل اللبس الدور الذي تؤديه تلك الوسائل الإعلامية في الحرب الدائرة.
الموقف الأول: الذي ارتبط معي ذهنيا هو مشهد أول حرب في التاريخ، تم بثها بشكل مباشر، وهو الحرب الأميركية على العراق في 1991م، والتي كنت أشاهدها طفلا في بداية العقد الثاني من عمره، وأسمع التعليقات المنبهرة، رغم تعاطف محيطي الأُسري مع العراق، وكانت تلك الحرب تمهيدا للاحتلال العراق بعدها بأكثر من عقد من الزمان، وبعد سقوط بغداد كنت قد بدأت رحلتي الصحفية بعد تخرجي، وحدث حوار بيني وبين أستاذ مخضرم، أكَّد لي أن بغداد لم تسقط الآن لكنها سقطت مع بث حرب 91 إعلاميا، وتوجيه أذرع أميركا الإعلامية بثها نحو المواطن العراقي المضغوط بالعقوبات وتأثيراتها، وتبشيره بالديمقراطية التي ستخلق عراقا جديدا، وكان لتلك الحرب الإعلامية تأثير كبير رأيناه في مشهد إسقاط التمثال الشهير، والذي يؤكد أن تلك الحرب الإعلامية قد آتت أُكلَها.
المشهد الثاني: مع تناول الإعلام عموما للحرب في سوريا في بدايتها، وكنت وقتها مع الحلم الديمقراطي، وكنت رغم عملي في الإعلام لسنوات طويلة ومعرفتي بطرقه في تلوين الخبر، إلا أنني تعاطيت بمصداقية مع الأخبار المتوالية، حتى قابلت صديقا سوريا أثق فيه جدا، وأعرف أنه معارض للنظام ودفع نتيجة معارضته الرحيل من سوريا، والذي أكد لي أن من يحارب ليسوا سوريين في المعظم، وأنه رغم معارضته للنظام يعلم جدا من خلال أهله وأصدقائه، أن الحرب والتسليح مكيدة دُبرت بليل، وذلك قبل ظهور كيانات داعش وأخواتها بشكل علني، وبعد تحقق الهدف الرئيسي وهو دخول سوريا في نفق الحرب الأهلية.
تلك المشاهد والمواقف ولدت لدي صورة ذهنية رافضة للتعاطي مع الإعلام الغربي، وعقيدة راسخة بأن أحاديث الديمقراطية الوردية وأنه إعلام حر، ليس لها في أرض الواقع من نصيب. فوسائل الإعلام الغربية، وخصوصا الأميركية، ما هي إلا أدوات في يد جماعات الضغط المعروفة، والتي تسيطر على الدول الغربية، بل هي أدوات ضغط على الساسة الغربيين لإجبارهم على المُضي في مسارات تلك الجماعات التي باتت أهدافها واضحة، لا يستطيع منصف إنكارها، أو تجاهل تأثيراتها.
أقول ذلك الآن ليس دفاعا عن روسيا أو إيمانا بعدالة قضيتها، ولا تأكيدا على عدم حدوث ما شاهدناه، أقول ذلك بدافع أنني أخشى أن يكون الرهان الغربي، بضغط من تلك الجماعات المشبوهة، خيارا كارثيا ستدفع الكرة الأرضية بكافة سكانها ثمن تلك الحماقات، وذلك في الوقت الذي يتبادل به الطرفان الغربي والروسي التهديدات النووية، والتي وصلت لقمَّتها مع تحذير الرئيس الأميركي جو بايدن من احتمال وقوع حرب “نهاية العالم” (هرمجدون) نووية بسبب تهديدات بوتين باستخدام الأسلحة النووية، وهو ما نخشى أن يحدث والذي باتت مؤشراته قوية مع هذا التعاطي الإعلامي الملوّن، الذي يسعى لإشعال الأزمات دون رقابة من ضمير أو أُسس مهنية إعلامية تعلمناها وحرصنا على تطبيقها، وأدركنا مؤخرا أنها مجرد شعارات جوفاء.

إبراهيم بدوي
[email protected]