ربما أضحت جائحة كورونا (كوفيد-١٩) جزءا من الماضي، ولكن ما زالت تبعاتها موجودة، خصوصا وأن الأشخاص الذين نجوا منها، ومع العلاج آنذاك ولمدَّة أسابيع في المستشفى، ما زال البعض منهم يعانون منذ ذلك الحين من تلف الرئة. وغالبا ما يواجه هؤلاء المرضى نفس العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي جعلتهم عرضة للإصابة بـكورونا في البداية، وهم بلا شك سيحتاجون إلى رعاية يقظة.
وعندما أطرح هنا موضوع كورونا المزمن، فذلك لأن هناك مشكلة أكثر جوهرية تستعصي على الجهود المبذولة للكشف عن التقدير ـ بين قوسين ـ الحقيقي، لاحتمالية حدوث هذه الحالة. وبكل بساطة فكورونا المزمن ليس شيئا واحدا. حيث تندرج حالات الإصابة بالفيروس المزمن، والتي تظهر في التقارير الطبية العالمية ضمن فئات قليلة تقريبية. ويبدو أن السبب الأول هو الأكثر سهولة في التفسير: كمزيج من تلف الأعضاء، والوهن الجسدي الشديد في كثير من الأحيان، وسوء الصحة العقلية الناجم عن الالتهاب الرئوي الحادِّ والأمراض الخطيرة الناتجة.
وربما الآن لا تحظى هذه المضاعفات الخطيرة وطويلة الأمد لكورونا، إلا باهتمام إعلامي ضئيل نسبيا في أغلب الدول على الرغم من شدَّتها. فلا يجب أن ننسى أن هذا الفيروس التاجي يمكن أن يتسبب في الإصابة بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادَّة، وهي أخطر أشكال الالتهاب الرئوي، والتي يمكن أن تؤدي بدورها إلى حدوث دوَّامة من الالتهابات والإصابة التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تدمير كل عضو تقريبا. لقد لاحظ الأطباء كما سمع الكثير منا تلك المضاعفات في وحدة العناية المركزة: كضعف عضلة القلب، وانهيار الرئتين، وفشل الكُلى، ونزيف المخ، وانقطاع تدفق الدم، وأكثر من ذلك. مما يعني أن الملايين ربما حول العالم يمكن أن يُتركوا مصابين بتلف الرئتين أو مضاعفات الأمراض الخطيرة. وسؤالي هنا حقيقة: هل احتياجات هؤلاء المرضى للرعاية وإعادة التأهيل يتم تلبيتها بشكل مناسب (ومنصف)؟ فجزمًا التأكد من أنها تمثِّل أولوية ملحَّة واجب على المؤسسات الصحية لكثير من المجتمعات.
من ناحية أخرى، ومتابعة لكورونا المزمن في بعض التقارير الطبية، فإن هنالك بدايات جديدة لحالات طبية معترف بها، مثل أمراض القلب، أو السكتة الدماغية، أو جلطة دموية بعد الإصابة الخفيفة بـكورونا. وقد يبدو من الغريب أن تؤدي عدوى الجهاز التنفسي العلوي إلى نوبة قلبية. ومع ذلك، فقد تم وصف هذا النمط جيدا بعد عدوى فيروسات الجهاز التنفسي الشائعة الأخرى، وخصوصًا الإنفلونزا. وبالمِثل، يمكن أن تؤدي أنواع مختلفة من الالتهابات إلى جلطات دموية في الساقين، والتي يمكن أن تنتقل (بشكل خطير) إلى الرئتين.
والأهم من ذلك، ما زال الباحثون لا يفهمون حتى الآن سبب تعافي بعض الأشخاص المصابين بـكورونا الخفيف بسهولة، بينما يستمر الآخرون في تجربة مِثل هذه المضاعفات. وهنا قد يجادلني البعض في أن مِثل هذه المتلازمات ليست في الواقع مرتبطة بكورونا المزمن! وقد أوافق معهم هنا خصوصًا وأنه ليس للآن أي اختبارات تشخيصية موضوعية مقبولة أو مؤشرات حيوية!
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من عدم ظهور أدوية محددة طويلة الأمد لفيروس كورونا، فقد تكون بعض العلاجات مفيدة في تحسين أعراض معينة بغض النظر عن نوع المرض المحدد، مثل علاجات إعادة التأهيل البدني لمن يعانون من ضيق في التنفس أو قلة تحمل التمارين. وبشكل ما فضمان الوصول الشامل إلى هذه الرعاية التأهيلية المتخصصة أمر ضروري ونحن ندخل المرحلة التالية من هذا الوباء.
ختامًا، لا يزال لدى الأطباء والعلماء الكثير لتعلمه عن الأعراض التي تستمر ـ أو تظهر لأول مرة ـ بعد شهور من الإصابة الأوَّلية بفيروس كورونا. وما هو واضح اليوم أن كورونا المزمن هذا، يمكن أن يكون العديد من الأشياء المختلفة. صحيح أن الإصابة الخفيفة بكورونا قد ترتبط على الأقل بطيف واسع من كل مرض على ما يبدو، لكنه بعد مُضي هذا الوقت أجد أن الباحثين والمختصين بحاجة إلى تصنيف أفضل بكثير لمعالجة معاناة الناس، ومناقشة تداعياتها، مع التنوع الهائل لتلك الأعراض أو المضاعفات والتي لا ينبغي أن تقف في طريق رعاية جميع الذين يعانون.

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]