موسكو – عواصم – وكالات : نجحت القمة الثلاثية التى عقدت مساء أمس الأول بموسكو في وضع اتفاق مبدئي ينص على وقف القتال في اوكرانيا ، وذلك بعد ان انتزع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل بعد خمس ساعات من المفاوضات في الكرملين موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وضع خطة سلام لانهاء عشرة اشهر من الحرب في اوكرانيا. يأتي هذا فيما استؤنف القصف براجمات الصواريخ من نوع امس على ديبالتسيفي، إحدى النقاط الساخنة قي النزاع الدائر شرق اوكرانيا الذي اجلي منه مئات المدنيين خلال هدنة قصيرة.
وأعلن الكرملين أن لمحادثات قمة موسكو حول التسوية في أوكرانيا كانت جوهرية ومعمقة. في حين قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن إرسال أسلحة لمساعدة الحكومة الأوكرانية التي تقاتل انصار الفيدرالية لن يساعد في التوصل لحل للأزمة. هذا و قد قال الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو إن اقتراحا بشأن السلام في شرق أوكرانيا قد ينجح.
ولم يتم تسريب اي تفاصيل عن فحوى الاتفاق بين القادة الثلاثة ما يؤكد صعوبة قياس نجاح المفاوضات ومدى قابلية خطة سلام محتملة وقدرتها على تسوية نزاع اوقع اكثر من 5300 قتيل غالبيتهم من المدنيين. وقال ديمتري بيسكوف ان محادثات هاتفية ستجري الاحد بين ميركل وبوتين وهولاند وبوروشنكو لمناقشة مشروع خطة السلام لانهاء عشرة اشهر من الحرب.
وفي باريس، قال مصدر قريب من الرئاسة الفرنسية ان المحادثات في الكرملين كانت "بناءة" و"مهمة". وأضاف المتحدث باسم الكرملين "مع الاخذ في الاعتبار المقترحات التي قدمها الرئيس الفرنسي والمستشارة الالمانية، فان العمل هدفه التحضير لنص حول خطة مشتركة محتملة لتطبيق اتفاق مينسك" الذي تم توقيعه في العشرين من سبتمبر بين كييف وانصار الفيدرالية". وتابع بيسكوف ان هذه الوثيقة من المفترض ان تتضمن ايضا "مقترحات قدمها الرئيس الاوكراني وتلك التي اضافها الرئيس بوتين اليوم" في الاشارة الى الامس. واكد "انتهاء المفاوضات" ومغادرة ميركل وهولاند موسكو في وقت متاخر. وتحمل المبادرة الالمانية الفرنسية التي يدعمها الاتحاد الاوروبي وواشنطن وحلف شمال الأطلسي كل سمات وساطة اللحظة الأخيرة بعد عشرة أشهر على النزاع الذي أدى إلى أزمة دولية تذكر بالتوتر بين الغرب والشرق خلال الحرب الباردة.
قبل توجهها الى موسكو، قالت ميركل في برلين ان المبادرة الالمانية الفرنسية هدفها الدفاع عن "السلام الاوروبي" غداة زيارتها وهولاند لكييف. وحرصت ميركل على التأكيد انها لا تنوي "البحث في مسألة اي اراض"، وقالت "انها مسؤولية كل بلد اجراء هذا النوع من المفاوضات". واضافت انه "من خلال هذه الزيارات الى موسكو اليوم نلتزم وقف حمام الدم واحياء اتفاق مينسك". وتابعت ميركل ان "كل الاحتمالات واردة ولا نعرف ان كنا سننجح في التوصل الى وقف لاطلاق النار وان كنا سنحقق ذلك اليوم او يحتاج الامر لمفاوضات اضافية ، لكن علينا ان نحاول ما بوسعنا للتوصل الى تسوية لهذا النزاع". من جهته، قال هولاند ان هذا اللقاء يهدف الى "البحث عن اتفاق" لتسوية الازمة الاوكرانية، مؤكدا ان "الجميع يدرك ان الخطوة الاولى يجب ان تكون وقفا لاطلاق النار لكن لا يمكن ان يكفي ذلك، ويجب السير باتجاه تسوية شاملة". واضاف "نحن نعمل لكن لا يمكن الحكم مسبقا على النتيجة"، موضحا انها "المبادرة التي يجب اتخاذها، اي فعل كل شىء من اجل السلام حتى لا نأسف على شىء". واعلنت الرئاسة الاوكرانية خلال الليل بعد عدة ساعات من المفاوضات بين القادة الثلاثة ان المبادرة "تثير املا بوقف اطلاق النار"، وذلك بعد مقتل مئات الاشخاص غالبيتهم من المدنيين في عمليات قصف ومعارك منذ مطلع العام. وفي مؤشر الى خطورة الوضع، ابرمت كييف وانصار الفيدرالية الموالون لروسيا هدنة بدأ تطبيقها الجمعة لاجلاء المدنيين من ديبالتسيفي احدى النقاط الاكثر سخونة في الحرب في شرق اوكرانيا، كما اعلن الجانبان. وفي الوقت نفسه قتل جندي واحد على الاقل في المعارك في الساعات ال24 الاخيرة.
وقال بوروشنكو ان على كل الاطراف احترام اتفاقات السلام الموقعة في مينسك في سبتمبر وهي الوحيدة التي وقعت عليها السلطات الاوكرانية والانفصاليون المدعومون من روسيا والذين حققوا انتصارات عسكرية في الاسابيع الاخيرة. على حد قوله . واشارت مصادر عدة الى ان خطة السلام هي في الواقع عبارة عن "اقتراح مضاد" للافكار التي عرضها بوتين قبل ايام على ميركل وهولاند اللذين ابلغا الولايات المتحدة واوكرانيا بها قبل اعداد اقتراحهما الاربعاء. واكد الرئيس الفرنسي ان "هذا الاقتراح الجديد لحل النزاع" يضمن "وحدة اراضي اوكرانيا". وحذر روسيا من ان الوقت ضيق وان "خيار الدبلوماسية لا يمكن ان يمدد الى ما لا نهاية". وفي موازاة المبادرة الفرنسية الالمانية، لا تزال الولايات المتحدة تدرس امكانية تزويد اوكرانيا بالاسلحة لمساعدتها بعد الانتكاسات التي منيت بها في منطقتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين. ولكن برلين عبرت الجمعة عن معارضتها ارسال اسلحة الى اوكرانيا حيث حذرت وزيرة الدفاع الالمانية اورسولا فو در لين من ان ارسال الغرب اسلحة الى الجيش الاوكراني من شأنه تأجيج النزاع.
وقالت الوزيرة في افتتاح المؤتمر السنوي حول الامن في ميونيخ جنوب المانيا ان "التركيز فقط على الاسلحة قد يؤدي الى صب الزيت على النار وابعادنا عن الحل المطلوب. هناك اسلحة اكثر من اللازم في اوكرانيا اصلا ، والدعم الروسي بالاسلحة للانفصاليين لا محدود". على حد قولها . وتساءلت "هل نحن واثقون من تحسين وضع الناس في اوكرانيا عبر تسليم اسلحة؟ ، هل ندرك جيدا ان هذا يهدد بتأجيج النار؟ أوليس يعني اعطاء ذريعة لروسيا لكي تتدخل علنا في النزاع؟". وتابعت "من الصعب الانتصار على روسيا بالسلاح وهذا سيؤدي على الارجح الى خسارة الكثير من الارواح". وخيب وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال زيارته الى كييف الخميس امل الاوكرانيين عندما اعلن ان واشنطن "تفضل حلا دبلوماسيا". وقال ان الرئيس باراك اوباما "يستعرض كل الخيارات وبينها تزويد اسلحة دفاعية" وسيتخذ قراره "قريبا"، من اجل افساح المجال خصوصا امام مبادرة السلام الاوروبية. وتقول كييف انها بحاجة الى "معدات اتصال وتشويش الكتروني ورادارات"، والى "طائرات بدون طيار وصواريخ مضادة للدبابات ، بحسب تقرير مستقل اعده عدد من المؤسسات الاميركية. الا ان قرار واشنطن بامداد كييف بالاسلحة يمكن ان تعتبره موسكو "مبررا" لاعلان الحرب، وان يؤدي الى تدهور اضافي في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا والتي تشهد اسوا ازمة لها منذ الحرب الباردة. كما ان اعلان حلف شمال الاطلسي تعزيز وجوده على حدوده الشرقية مع انشاء قوة تدخل سريع من 5 الاف رجل واقامة "6 مراكز للقيادة" لن يروق ايضا لموسكو. كذلك من المقرر ان يلتقي كيري نظيره الروسي سيرغي لافروف السبت خلال المؤتمر الدولي حول الامن في ميونيخ. والخميس، دعا كيري بوتين مجددا الى "اتخاذ القرار بوضع حد للحرب".
هذا وقالت ميركل في مؤتمر ميونيخ للأمن "أتفهم النقاش ولكني أعتقد أن المزيد من الأسلحة لن يساعد في احراز التقدم الذي تحتاجه أوكرانيا. "إذا كان صحيحا أنه لا يمكن حل الأزمة عسكريا فأعتقد أنه يجب أن نركز جهودنا على أمور أخرى."
من جانبه أضاف الرئيس الاوكراني " أنه يأمل أن تساعد المبادرة على توفير "المزيد من الأمن في أوروبا."
ميدانيا ، كتب قائد الشرطة الاقليمية الموالي لكييف فياتشيسلاف ابروسكين على صفحته في موقع فيسبوك أن "انصار الفديرالية يقصفون براجمات جراد منذ الساعة 6,00 صباحا" الاحياء الشمالية لديبالتسيفي. وتشهد ديبالتسيفي، الملتقى الاستراتيجي للسكك الحديد بين مدينتي دونيتسك ولوغانسك المتمردتين، معارك عنيفة منذ اسابيع بين الانفصاليين الموالين لروسيا والقوات الاوكرانية التي ما زالت تسيطر على المدينة لكنها محاصرة تقريبا. واكد الجيش الاوكراني في بيان امس ان "اندفاعة العدو هي الاقوى حول ديبالتسيفي". وقد اجلي 753 مدنيا منهم 81 طفلا الجمعة من ديبالتسيفي وقرى مجاورة خلال هدنة قصيرة بين سلطات كييف وانصار الفيدرالية، كما ذكر المركز الاوكراني للاوضاع الطارئة. واوضحت منظمة العفو الدولية ان معظم سكان ديبالتسيفي الذين يبلغ عددهم 25 الف نسمة، فروا حتى الان من المدينة التي لم يعد يقيم فيها اكثر من سبعة الاف شخص. وقصف انصار الفديرالية ايضا قريتي نوفوتوكيفسكي وشتشاستيا في منطقة لوغانسك الانفصالية المجاورة وقرية تشيرنينكو التي تبعد 10 كلم شمال شرق مرفأ ماريوبول الاستراتيجي على بحر اوزوف، كما قال الجيش الاوكراني.
وفي دونيتسك، معقل انصار الفيدرالية ، شهدت ليلة الجمعة السبت قصفا مدفعيا متفرقا، بما في ذلك القصف الاتي من مواقع المتمردين، كما ذكر صحافي لوكالة الانباء الفرنسية. وتحدثت بلدية المدينة عن مقتل مدني واحد في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة.