[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” ... تعتبر الثروة النفطية التي وهبنا إياها رب العزة عصب الحياة والشريان الرئيسي الذي يمد هذه النهضة منذ باكورة عطائها وحتى لحظتنا، ورغم محدودية المخزون الاحتياطي والتكلفة العالية التي يتطلبها استخراج النفط في السلطنة وتذبذب الأسعار العالمية فإنها كذلك ثروة ناضبة "أي غير متجددة" وهي إحدى أهم التحديات التي تتطلب منا جهدا وعملا مخلصا يتمثل في خلق ودعم وتنمية قطاعات وموارد أخرى تستطيع أن تحل محل النفط...”
ــــــــــــــــــــــــــــ

في هذا الوقت الحرج والحساس على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, المحلية والاقليمية والعالمية, والذي يحتاج فيه المجتمع الى رسائل متقنة ومصاغة بوعي وعناية لبعث الامل والتفاؤل وبث روح الطمأنينة وتعزيز الثقة شبه المفقودة والحث على تحصيل العلم والمعرفة والتفاني في العمل الجاد والمضي قدما بعزيمة واقتدار في بناء الوطن وتوطيد قيم التعاون والتآزر والتكاتف والتحاور البناء لتحقيق المصالح العامة وجعلها في صدارة الاولويات لكل مواطن أيا كانت درجته ومستواه التعليمي والوظيفي والحفاظ على اللحمة الوطنية وحماية المكتسبات المتحققة ... في هذا الوقت بالذات نتابع بشيء من الاستغراب المرفقة باسئلة لا تجد اجابات مقنعة تصريحات متتابعة لمسئولين كبار تنطلق كالشرارة من مكاتبهم الفخمة لتثير البلبلة والسخط والغضب والتندر بين شرائح المجتمع, مصحوبة بعشرات الاسئلة عن انجازات هؤﻻء المسئولين الحقيقية ووضعهم المادي وحياتهم الاجتماعية وعلاقتهم بالمجتمع وارتباطهم بقضاياه واحاطتهم باوضاعه ومشاكله وهمومه ووعيهم بظروف المرحلة وتحدياتها, بل وعرجت تلك الاسئلة التي تضمنتها تغريدات وتعليقات ومقالات واسعة الى المستوى الفكري والثقافي والتخصصي لعدد من المسئولين الذين لا يدركون ابعاد ما يقولونه للاسف الشديد.. ففي الوقت الذي يأمل فيه الشباب العماني العالق بين البحث عن وظيفة وبين دخل لا يكاد يكفيه لشراء سيارة وتكلفة زواج هذا لو تمكن من توفير جزء منه والحفاظ عليه لعدة سنوات فضلا عن التزامات اجتماعية لا حصر لها .. ينتظر تصريحا او قرارا او سياسات جديدة متطورة تنبعث من الواقع من قبل الجهات المختصة بتوفير وظائف جديدة في سوق العمل وبتخصيص مناطق سكنية حديثة في قلب العاصمة وقريبة من مناطق هؤﻻء المسئولين الفاخرة او اعتماد قروض اسكانية معفية من الرسوم او توفير مساكن حديثة مقابل اقساط شهرية تراعي ظروف الشباب المادية ... بدلا من بث الامل والنظرة التفاؤلية يطل عليهم بعض المسئولين معلنين على الملأ بتصريحات مشبعة بالاحباط تحمل اهداف وغايات ترمي وكما يقرأها المجتمع إلى المس بحياة المواطن الاجتماعية بين قوسين (المعيشية) وتعطي انطباعا عاما بان أمرا ما وقرارات قادمة تطبخ من خلف الكواليس, ويعمل هؤلاء المسئولين على تهيئة الرأي العام وإعداده لمرحلة ما بعد تراجع اسعار النفط التي يبدو انها نكأت جراح المواطن وحركت الاسئلة القديمة الحديثة عن الخطط والبرامج والاستراتيجيات التي أعدت على مدى العقود الماضية , وما تضمنته من سياسات ورؤى واهداف وغايات وطنية كبيرة تتطلع للتخلي تدريجيا عن الاعتماد على النفط والسير قدما في سياسة تنويع مصادر الدخل عبر اقامة مشاريع كبيرة اقتصادية وزراعية وسمكية وسياحية وصناعية واستثمار الثروات الأخرى, قادرة على توفير فرص عمل وامتصاص أعداد الباحثين عنه وتطوير سياسات التعليم والتوظيف والعمل على تشجيع الاستثمار الأجنبي وبما يحقق أهداف التنمية الاقتصادية في تنوعها وشموليتها والغايات الوطنية المشار إليها, والتي بدأ الإعداد والترويج لها واعتماد بعضها في السنوات الاولى من الثمانينيات, بتنظيم الندوات واعداد الدراسات وطرح الأفكار والمرئيات واقرار البرامج والخطط والاستراتيجيات وكانت التصريحات مفعمة بالشعارات والآمال والأحلام والطموحات, وما زلت اذكر ذلك النشاط المحموم والعمل المتواصل والجاد للجان وأجهزة المجلس الاستشاري للدولة في منتصف الثمانينيات الذي يتكون اعضاؤه من ممثلين للقطاع الحكومي (وكلاء وزارات) بحكم مناصبهم ومن ذوي الخبرة وأهل الرأي يمثلون مختلف مناطق ومحافظات السلطنة في دراسة وبحث تلك الاستراتيجيات والخطط والتقارير والبيانات المحالة من الحكومة ومناقشة الوزراء وتقديم الرؤى والتوصيات ذات العلاقة بالقضايا الاقتصادية, والتي تأتي كذلك تنفيذا للتوجيهات والأوامر السامية المتتابعة, فلم يكن جلالته ـ حفظه الله ـ يفوت مناسبة أو اجتماعا يترأسه لمجلس الوزراء أو خطابا من خطاباته الوطنية إلا ويحث حكومته وأعضاء مجلس الوزراء على الاهتمام بتنمية الموارد البشرية وتنويع مصادر الدخل .. هذا فضلا عن الكتابات والمقالات والتصريحات والتحقيقات الصحفية والبرامج الحوارية والتحذيرات التي يطلقها الخبراء والمستشارون بعدم الارتهان لسلعة واحدة يعتمد عليها الاقتصاد الوطني معرضة للنضوب والتراجع هذا إلى جانب الارتفاع الكبير في تكلفة استخراجها خاصة بالنسبة لطبيعة السلطنة, وأهمية العمل على دعم وتنمية القطاعات والثروات الواعدة في البلاد لتحقيق نسب تصاعدية تصب في مصلحة الدخل القومي وبحيث يمكن الاعتماد عليها في تحقيق الاكتفاء والاستغناء عن النفط المعرض لمخاطر كبيرة, ولكنها لم تصل للأسف الشديد إلى مراحل التنفيذ ولم تؤت أكلها وكانت النتائج ضعيفة. وقد كتبت ونشرت في هذه الصفحة قبل سنوات عددا من المقالات ذات العلاقة كدليل على أن المخاوف بمخاطر نضوب النفط وتراجع أسعاره كان هما وطنيا يستشعره الجميع, ومن بين ما كتبته ابان احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الثاني والثلاثين أي قبل أكثر من اثني عشر عاما في محور خاص ضمن محاور كثيرة تضمنها المقال ما يلي: (( إننا ونحن نحتفل اليوم بمرور اثنين وثلاثين عاما من عمر النهضة الحديثة لا بد من أن نسأل أنفسنا سؤالا محوريا ينبغي طرحه وهو هل نكتفي بإحياء ذكرى هذا اليوم والاحتفاء به سنويا بإقامة الاحتفالات التي تغرس في المجتمع رمزية وقدسية الحدث، أم أن الحس الوطني والقضايا والضرورات والمستجدات تتطلب منا النهوض بهذه المناسبة وتوظيفها واستثمارها بما يتناسب وأهميتها ومكانتها ويتفق وينسجم مع طموحات وآمال أبناء هذا البلد وبما يحفظ لها مكتسباتها وإنجازاتها وتواصل مسيرة عطائها وبحيث يبقى ألقها ووهجها ينير في القلوب؟ ... وتعتبر الثروة النفطية التي وهبنا إياها رب العزة عصب الحياة والشريان الرئيسي الذي يمد هذه النهضة منذ باكورة عطائها وحتى لحظتنا، ورغم محدودية المخزون الاحتياطي والتكلفة العالية التي يتطلبها استخراج النفط في السلطنة وتذبذب الأسعار العالمية فإنها كذلك ثروة ناضبة "أي غير متجددة" وهي إحدى أهم التحديات التي تتطلب منا جهدا وعملا مخلصا يتمثل في خلق ودعم وتنمية قطاعات وموارد أخرى تستطيع أن تحل محل النفط خلال فترة زمنية محدودة ... إن القطاعات الأخرى غير النفطية تعتريها الكثير من المشكلات والاخفاقات التي تقف عائقا في طريق نموها والتي تحتاج منا إلى عمل شاق لا بد من المضي فيه، ويعتبر قطاع تنمية الموارد البشرية والتطوير النوعي في التعليم من أهم القطاعات الذي يأخذ الأولوية والتركيز عند المجتمعات والأمم والحكومات نظرا لأهميته باعتباره أساس التنمية ودعامة التطور والعامل الرئيسي لاستمرار أي نهضة أو نشوء حضارة جديدة، وفي هذا الإطار فان البلاد بحاجة ماسة إلى مجتمع متعلم واع مطلع يحمل من التخصصات والمعارف والخبرات والعلوم بحيث تمكنه من الإضافة والإبداع والابتكار والمنافسة، ولن يتأتى ذلك إلا بالتوسع في فضاء التعليم العالي المجاني من خلال سياسة الابتعاث إلى الخارج بأكبر عدد ممكن وإنشاء جامعات ومعاهد ومؤسسات تعليمية متمكنة مدعمة بالمختبرات العلمية والوسائل الحديثة والإمكانات الثمينة المتخصصة، إذ لا يختلف اثنان على إن كل ريال ينفق في هذا الجانب يعني استثمارا حقيقا ناجحا سوف يعود بالفائدة المجزية على هذه البلاد ونهضتها فإذا استهلكنا الثروة النفطية ولم نخلق قطاعات وثروات بديلة فماذا سنترك للأجيال القادمة ؟ إن هناك التزاما يقع على عاتق فئة من المجتمع هي تلك التي جنت واستفادت بحكم عوامل عديدة من النهضة الحديثة فأصبحت تمتلك الإمكانات والمقومات الواسعة يوجب عليها رد الجميل بالمساهمة ودعم الجهود ورفد الإمكانات التي تقوم بها الدولة من اجل تنمية وتفعيل دور القطاعات التنموية الأخرى خصوصا فيما يتعلق بتنمية الموارد البشرية ...)) .
وها نحن بعد ثلاثة قرون من الزمن نعاني من مشاكل جمة في التعليم ومن ضعف في المخرجات ومن اخفاق في سياسات التعمين ومن ارتفاع في عدد الباحثين عن عمل, وزيادة متصاعدة في عدد الأجانب العاملين في بلادنا وفقا للارقام والبيانات المنشورة, وما زلنا نعتمد اعتمادا شبه كامل على النفط وما زالت القطاعات الأخرى تعاني من مشاكل ومعوقات عديدة وغير قادرة على الاسهام الفاعل والمرضي في الاقتصاد الوطني , وها نحن نقف عاجزين أمام انهيار أسعار النفط إما أن نقترض ونصبح رهينة للديون أو نلجأ إلى السحب من صندوق الاحتياطي الضعيف أصلا بموجوداته ونستهدف حياة المواطن المعيشية, نعم ما زلنا بعد مرور ما يقارب الثلاثين عاما نتلمس الخطى ونعيد ذات الأسئلة والاشكالات والتخوفات من مستقبل قاتم مع انهيار أسعار النفط المتسارع , ويتساءل المواطن وهو سؤال مشروع عمن يتحمل المسئولية والتبعات عن الاخفاقات والأخطاء التي ارتكبت في هذا الجانب, وأين ذهبت تلك الاستراتيجيات والخطط والبرامج؟ وماذا حل بالرؤى والتوصيات والأهداف والغايات التي تضمنتها ؟ والمشاريع والقطاعات ( الواعدة ) التي يفترض أن تحل تدريجيا محل النفط وتسهم بقوة في الدخل القومي؟ ولماذ يحمل المواطن تبعات تراجع أسعار النفط في معيشته في الوقت الذي يغيب فيه عن المشهد التجار والأغنياء والنافذين ومؤسسات القطاع الخاص الذين أثرى الكثير منهم من خلال الدعم الحكومي ومن تقلدهم للمناصب العليا ومن المشاريع والأعمال الحكومية ؟ أين تلك الأموال عن السوق المحلي وعن المشاريع والأعمال الوطنية ؟ ولماذا لا يتم استثمارها في الداخل ؟.
تتوالى التصريحات المثيرة للسخط والغضب والتندر بدءا من الوقف المؤقت للترقيات والتوظيف في المؤسسات الحكومية مرورا بفرض الضرائب على من يمتلك أكثر من عقار والذي يرى فيه المواطن مدخلا لملاك العقار والأغنياء وأصحاب النفوذ لرفع قيمة الإيجارات وهو ما سيتبعه ارتفاع في أسعار السلع, وأخيرا سحب الأرض السكنية الواحدة التي يملكها مواطن مغلوب على أمره إن لم يتمكن من بنائها خلال عام من استلامها والتي رأى فيها المجتمع ترويجا وتشجيعا على الاقتراض من البنوك ودعما للمقتدرين على التوسع في التملك باعتبارهم القادرين على البناء بكل أريحية, فبالله عليكم كيف لشاب يخطو خطواته العملية براتب متواضع, يحصل على ارض في صحراء لا خدمات فيها, ولو فرضا توفرت فيها الخدمات, فنخيره بين أمرين إما أن يقوم ببنائها خلال سنة او يتم سحبها عنه بدون أن نقدم له خيارات وامتيازات تيسر له بناء يتجاوز الثلاثين ألفا هذا بالطبع لبيت متواضع للغاية ... إن الشباب العماني اليوم في أمس الحاجة الى من يطمأنهم على المستقبل .. الى مسئول يعمل بجد واخلاص ويطرح حلولا عملية لتوفير وظيفة ملائمة تتناسب مع تخصصاتهم العلمية ومشروعات قادرة على دعم الاقتصاد وتوفير الوظائف, والى رسائل إيجابية تحثهم على العمل وعلى خدمة الوطن وتعزيز القيم الوطنية والثقة, الى مسئول قادر على الحوار والاقناع وفهم تساؤﻻتهم والوعي بمتطلباتهم مدرك لحجم التحديات الوطنية .. الى سياسات وبرامج معلنة قابلة للتنفيذ والتطبيق لتطوير القطاعات الاقتصادية والتعليمية والخدمية ورفع قيمة عائدها في الاقتصاد الوطني, الى مسئولين يراهم في الميدان مع مرؤوسيهم وموظفيهم يتابعون سير المشاريع والأعمال يحفزون الشباب ويوجهون طاقاتهم وابداعاتهم نحو البناء, مسئولين قادرين على ابداء الاحترام الصادق لشيخ احنى الزمن ظهره جاء الى الوزارة ليراجع موضوعه ويتابع معاملته .. على تقديم الابتسامة والسلوك الانساني الراقي عند الالتقاء بموظف خدم في المؤسسة أو الإدارات المسئولين عنها عقودا من الزمن وهم لا يزالون في مقاعد الدراسة عندما بدا هذا الموظف خطواته الاولى في عمله في المؤسسة, مسئولين قادرين على فتح عقولهم وقلوبهم ومكاتبهم للمراجعين واصحاب الحاجات. وان يراجعوا ويقيموا كل يوم اعمالهم واقوالهم وانجازاتهم ووعودهم وان يتابعوا مستشاريهم وموظفي مكاتبهم وأن يراجعوا اقوالهم وملاحظاتهم وآرائهم وان يبحثوا عن غاياتها واهدافها وموجباتها ليتمكنوا من تقييمهم وتوجيههم واصلاحهم وتغييرهم ان تتطلب الامر ذلك او شكرهم وتقديرهم وتثببتهم ان وجدوا فيهم صلاحا وخيرا وحرصا على المصالح العامة, مسئولين قادرين على تجاوز اطر وقيود الشكليات والمظاهر والوجاهة والترويج الاعلامي المبالغ فيها الى التنفيذ والعمل والانجاز الحقيقي.. إننا بحاجة إلى ما يخفف حالات الاحتقان والتأزم ويفند الأوضاع ويبرر للقرارات المتخذة خاصة في وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت في نشر وتداول الأخبار والتعليقات وتحولت إلى ساحة للتعبير والتغيير والاشاعة وتشكيل رأي عام ضاغط ... ولا بد في نهاية المقال إلا أن نتساءل وعلى ضوء ما تضمنه بيان مجلس الوزراء من تأكيد للأوامر السامية بعدم المس بحياة المواطن , ومع أن تلك القرارات والسياسات والتوجهات التي جاءت تباعا في تصريحات عدد من المسئولين لا يمكن تنفيذها إلا بتوجيهات سامية أو عبر قرارات من مجلس الوزراء ... فما الداعي لها إذن ؟ وما هي مبررات الاعلان عنها مع الادراك بأن آثارها غير محمودة على المجتمع؟ .