تُمثِّل الكوارث المناخية، التي يشهدها العالم نتيجة التغيُّر المناخي، أحَدَ العوائق التي تحُولُ بَيْنَ الإنسانية وتحقيق التنمية المستدامة، التي أضحت هي الحلَّ الوحيد والأمثل لمساعدة البشرية على البقاء. لذا ليس من الغريب، أن تتوالى إعلانات الدول حَوْلَ العالم ـ ومن بَيْنها سلطنة عُمان ـ بشأن ما يُسمَّى بالحياد الصفري الكربوني، والذي يقصد به التحوُّل إلى اقتصاد بصافي صفر من انبعاثات الغازات الدفيئة. فالعالم أدرك أنَّه في القريب العاجل لا يستطيع إنتاج مصادر للطاقة كافية وتلبية احتياجاته من المصادر المستدامة، وأنَّه مضطر بسبَبِ التوسُّع الصناعي، خصوصًا في الدوَل الصناعية الكبرى، إلى استخدام مصادر الطاقة الأحفورية، لذلك يعمل ـ بجانب تقليل نسبة الاعتماد عليها ـ على إيجاد إجراءات مِثل زراعة الأشجار، التي تمتصُّ ثنائي أكسيد الكربون، مقابل أيِّ انبعاثات ناجمة عن حرق الوقود الأحفوري في هذه الدولة أو تلك، وهو حلٌّ يقضي على الانبعاثات إذا التزمت الدوَل كافَّة بتطبيقه.
وتُعدُّ سلطنة عُمان من الدوَل التي سارعت إلى تحديد موعد أقصاه 2050 لتحقيق الحياد الصفري الكربوني، وهو موعد اعتمده حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ مُوجِّهَا بإعداد خطَّة وطنيَّة له، وإنشاء مركز عُمان للاستدامة بناءً على مخرجات مختبر إدارة الكربون، وهو خطوة مُهمَّة تعبِّر عن قناعات السَّلطنة السابقة بضرورة تعاضد وتكاتف العالم أجمع في مواجهة الأزمات البيئية المختلفة، وعلى رأسها مسألة تغيُّر المناخ، كما أنَّ تلك الخطوة ستنعكس إيجابًا على سلطنة عُمان وستجني من خلالها فوائد عدَّة. فالحياد الصفري الكربوني والتغيُّرات المناخية أهمُّ مُكوِّنات الاستراتيجيات القِطاعية الوطنية، ومنها الصناعة والتخطيط العمراني والطاقة والنقل والزراعة والصحة وغيرها، كما يرتبط تحقيق رؤية عُمان 2040، وخصوصًا أولوية البيئة والموارد الطبيعية بتحقيق التوازن بَيْنَ متطلبات التنمية المستدامة، واستخدام مستدام للموارد والثروات الطبيعية لنُمو الاقتصاد الوطني وتقليل آثار التغيُّر المناخي من خلال الإجراءات المُتَّبعة للحدِّ منها، وهو ما يتوافق مع رؤية عُمان 2040 الطموحة السَّاعية لتحقيق التنمية المستدامة في كافَّة المجالات والأصعدة.
إنَّ التنمية المستدامة القائمة على التنويع الاقتصادي المأمول هي جوهر الخطط والبرامج العُمانية الحالية والمستقبلية، وسيُسهم تحقيق الحياد الصفري الكربوني في تنويع مصادر الدخل، وإيجاد فُرص للنُّمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام مع تحقيق التوازن بَيْنَ التنمية المستدامة والحدِّ من تداعيات تغيُّر المناخ، وبناء اقتصاد المعرفة، والاستفادة من التكنولوجيا النظيفة لتحقيق التنمية المستدامة، وإيجاد مزيج متنوِّع من مصادر الطاقة، وهو ما دفع مختبر إدارة الكربون الذي نُفِّذ من الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي إلى الثالث عشر من أكتوبر الحالي إلى تبنِّي (49) تسع وأربعين مبادرةً ومشروعًا للقِطاعات الرئيسة، تُمثِّل خريطة طريق واضحة لتنفيذ المستهدفات المنشودة، وتشمل التقنيات والابتكار، والتعاون الدولي، والبنى الأساسية والخدمات الأساسية، والتمويل والحوافز، والتشريعات والقوانين، والحوكمة الفعالة، والقدرات والكوادر البشرية، والتسويق والترويج، والمحتوى المحلِّي، والاقتصاد الأخضر، والتثقيف والتوعية، والبيانات والتقارير، والمبادرات الزراعية.
ويُمثِّلُ هذا المختبر خطوةً في سبيل تحقيق الحياد الصفري الكربوني، حيث خرج بعددٍ من أهمِّ المشروعات التي ستُسهم بدَوْرٍ فعَّال في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة المؤثرة على التغيُّر المناخي والتأثيرات البيئية المصاحبة له، فقد تمكَّن مختبر إدارة الكربون من إبراز أهداف ذات أهميَّة مِثل توحيد الجهود الوطنية وإعداد استراتيجية وطنية وخطة تنفيذية نَحْوَ الحياد الصفري الكربوني، وجمع البيانات وتحديد خط الأساس وآليَّة القياس والمؤشرات المستهدفة لكُلِّ قِطاع ومراجعة السياسات والتشريعات، والحوافز التي تستقطب الاستثمارات في مجال تحقيق مستوى الحياد الصفري، وتطوير ووضع خطط تنفيذية تفصيلية للمشروعات والمبادرات المختارة التي ستخدم التوجُّه الرئيس في خفض مستوى الانبعاثات، وبناء آليَّة حوكمة مستدامة لمتابعة رصد التقدم المحرز في خفض الانبعاثات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو ما سيُحقق بالطبع الأهداف المنشودة.
وسيعمل مركز عُمان للاستدامة على ضمان تنفيذ كُلِّ مخرجات الخطَّة الوطنيَّة للحياد الصفري الكربوني لسلطنة عُمان من مبادرات، ومشروعات، وحلحلة تحدِّياتها، ومتابعة الأنشطة المختلفة وتحقيقها النِّسب المستهدفة للحدِّ من انبعاثات الغازات الدفيئة، وسيستمر في تطوير الفرص الكامنة في كُلِّ القِطاعات المستهدفة من أجْلِ تفعيل الخطَّة التنفيذية ومتابعتها وتماشيًا مع أيِّ متغيِّرات دوليَّة أو محلِّية قد تطرأ خلال فترة التنفيذ.