إذا ما كان الدِّين (على اشكاله وتنوعاته عبر العالم وبين الشعوب التي تعتنقه) هو المصدر الرئيس للأخلاق والسلوك القويم، يعمد النقاد الأخلاقيون Moral Critics على اعتماده معيارًا لتقييم وتقويم كل عمل أدبي مهما كان جنسه (شعرًا، رواية، مسرحية...إلخ).
لذا، أطلق المتدينون من النقاد الغربيين عنوان “النقد المسيحي” Christian Criticism على ذات المدرسة النقدية الأخلاقية. وإذا كان هناك من النقاد من لا يتفق مع الرأي أعلاه، باعتبار أن الأخلاق التي نظمت شؤون الحياة الاجتماعية منذ أقدم العصور كانت قد سبقت ظهور الأديان “المنزلة”، فإن الاختلاف بين الفريقين يتلاشى عمليًّا عندما يجلس الناقد الأخلاقي إلى منضدته لرصد ولدراسة وتقييم أي عمل أدبي مهما كان على أساس هذا المبدأ. إذًا، يتلخص عمل الناقد الأخلاقي في ما إذا كان العمل الأدبي يخدم ويشيع المبادئ الأخلاقية الأساس. أما إذا ما أخفق العمل الأدبي في خدمة هذا الهدف الاجتماعي السامي، فإنه قد فقد قيمته الجوهرية، بل وقد سقط من سلة الأدب الرفيع الذي يستحق التخليد والبقاء. بل إن النقاد المسيحيين يذهبون بعيدًا حد اعتماد العقائد والأخلاقيات الدينية الحقة معيارًا أوحد لتقييم أي عمل أدبي، حتى وإن كان المؤلف ملحدًا، في السؤال: ما الدرس الأخلاقي الديني الذي تقدمه هذه القصة أو تلك القصيدة، فبدون الدرس الأخلاقي الديني يسقط العمل الأدبي في سلة المهملات، بل ويحذف من قائمة الأدب الرفيع.
لقد اصطدمت هذه المدرسة بالعديد من النقاد والآراء المضادة لأفكارها لأسباب متعددة، ومنها ما أوردناه في أعلاه، أي تنوع الأخلاق وتباين معاييرها بين الشعوب والأقوام المختلفة عبر العالم. والأنكى هو أن هناك من الأدباء من تدعو أعماله إلى احتضان وتيقنات وسلوكيات تعد لا أخلاقية في قواميس الأديان، من نوع تبرير السرقة في حالة الاضطرار لها حفاظًا على الحياة، كما حدث في حال شخصية “ جان فالجان Jean Valjean بطل رواية فكتور هوغو Hugo (البؤساء) The Miserable، كما هي الحال مع مسرحية برناردشو Shaw (حرفة السيدة وارن) Mrs. Warren’s Profession التي منعت أنا شخصيًّا من تدريسها في كورس (المسرحية الحديثة) لطلبة الدراسات العليا، بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة بغداد بوصفها عملًا يمجد اضطرار “وارن”، بطلة المسرحية، امتهان البغاء بسبب فقرها وضرورات بقاء أسرتها على قيد الحياة. وتنطبق ذات الحال على الاعتراضات التي قاسيتها ضد رواية (ابناء وعشاق) Sons and Lovers، تأليف د.هـ. لورنس D.H. Lawrence بسبب بضعة صفحات عدت فاضحة جنسيًّا أكثر من حدود المقبول في مجتمعنا المحافظ!


أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي