[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
تساؤل العنوان يطرح رؤية استراتيجية بعيدة المدى، وهى تنطلق من تجربة الماضي مرورا بالحاضر واستشرافا للمستقبل، وهى تتعلق بالمجتمع والسلطة وطبيعة علاقاتهما القائمة، وبالذات التساؤل القديم الجديد، وهو، من يصنع من؟ المجتمع يصنع السلطة أم السلطة تصنع المجتمع؟ لن نغوص في تاريخنا الحديث للإجابة على التساؤل، لكننا سنركز على دور الاقتصاد في صناعة مجتمع متصالح مع ذاته وداخل ترابه رغم وجود معطيات تاريخية للصراع المجتمعي، وهنا نتساءل، هل لنا إعادة صناعة مجتمعنا عامة والمحلي خاصة من خلال التطورات الاقتصادية الراهنة والمقبلة؟ تساؤل تبلور من رحم مشروع سكة القطار العماني الخليجي، فهذا المشروع المهم سيولد بالتبعية مشاريع اقتصادية وتجارية مصاحبة له في كل محطاته الرئيسة، فلمن ستذهب؟ هل سيبتلعها الهوامير كعادتهم دائما أم ستكون من نصيب مجتمعاتنا المحلية؟
وخوفنا من ابتلاع النافذين والمتنفذين المصالح الاقتصادية لمشروع القطار كعادتهم دائما هو الذي يدفع بنا الى المطالبة بشفافية وعدم سرية المخططات والسياسات مثلما حدث مؤخرا في الورشة الخاصة بمشروع القطار التي تناولناها في آخر مقالاتنا، فتاريخ السرية في بلادنا قد خلق لنا إشكالية كبيرة تدفع ثمنها مجتمعاتنا حتى الآن، وربما سيظل ذلك طويلا، فمن تتوفر له المعلومة عن المخططات والسياسات سوف يتحرك فورا قبل الكشف عنها ويشتري الأرض ويؤسس المشاريع حتى يستحوذ على المنافع الجديدة، ولنا في الدقم – نموذج – فهل سنكرر السيناريو نفسه مع مشروع القطار؟ فالسرية عدوة المجتمع، وصانعة الهوامير، وضمانة تسمينهم، وبالتالي لا بد من كل السلطات المحلية التي سوف يمر القطار عبر ولاياتها الترابية أن تساهم في المناقشات وتكون داخل الرؤية قبل اتخاذ القرار، كما ينبغي أن يكون لها رؤية لكيفية انتفاع مجتمعاتها المحلية من المنافع المصاحبة لمسار القطار، وهذه النفعية المجتمعية هى التي سوف تأسس أو تعيد صناعة هذه المجتمعات إذا ما تمكنت من جمع كل شرائح المجتمع المحلي نحو استفادة الكل من المنافع الجديدة، فمحطات القطار تتطلب محطات للوقود ومحلات تجارية ووسائل نقل خاصة .. الخ فلماذا لا يتم إقامة شركة تضم كل المكون المجتمعي في كل منطقة ترابية بدعم من السلطات المحلية والمركزية الحكومية، بحثا عن ما يجمع الشرائح الاجتماعية رغم خلافاتها واختلافاتها ، ويجعلها تتعايش مع بعض داخل نطاق ترابها، وبذلك نحيد عوامل الخلاف والاختلافات ونعزز عوامل الالتقاء والتعايش عن طريق المصالح المشتركة، حيث سيكون اهتمام القوى المجتمعية – أفرادا وجماعات – منصبا بما يشغل تطورها لا ما يكرس تخلفها، ونكاد نبصم بالعشرة أن بعض السلط المحلية كانت طوال العقود الماضية تتجه نحو اثارة الخلاف والاختلاف، واستدعائه أحيانا من الماضي، فظلت مجتمعاتنا المحلية مشدودة نحو الماضي لا المستقبل، وهذا ما يجعلنا الآن ندفع الثمن، امنيا وسياسيا، بحيث ظهرت هيبة الفرد أو الجماعة في حالات معينة أكبر من هيبة الدولة، والشواهد كثيرة يمكن الاستدلال بها، إذن من يصنع من ؟ هل المجتمع يصنع السلطة أم السلطة تصنع المجتمع؟ ربما لم يكن وراء الخيارات والاختيارات السابقة وحتى الحالية وعي سلطوي بانتاجات تلك القوى المثيرة للمجتمع، هكذا ينبغي أن نحسن الظن ، لكن اليوم لابد من تقييم هذه التجربة ، وتقييمها لابد أن يكون من منظور الصناعة، وأدواتها ووسائلها، خاصة وأننا نملك تاريخا طويلا لاستئثار القلة بكل المنافع والمصالح .. فكيف نخلق التحول بتدخل يستهدف المجتمع أساسا ؟ من هنا يتيح لنا مشروع سكة الحديد أن نعيد بناء استراتيجية جديدة لصناعة المجتمع عن طريق منظومة المصالح والمنافع المشتركة والمتساوية حتى يكون مجتمعا متصالحا في ذاته ومنشغلا بتطويرها، وتفسيرنا لظاهرة الصراعات المجتمعية وتجددها بين كل فينة وأخرى يرجع الى اقصاء البعد الاجتماعي من التطورات الاقتصادية قديمها وحديثها، ما عدا طبعا مبادرة الشركة اللوجستية – قيد الإنشاء في محافظة ظفار – التي جاءت فكرتها على أساس جمع أكبر عدد ممكن من الأفراد والشرائح الاجتماعية في محافظة ظفار كلها، أي ليس ولاية صلالة فقط ، لكنها لم توفق إذ لم تأخذ بعين الاعتبار المقدرات المالية للافراد، وذلك عندما حددت في البداية السهم(5) آلاف ريال قبل أن تخفضه الى (ألف) ريال ، فمن يتوفر عنده هذه المبالغ ؟ لن نجد (5) آلاف عند اغلب الطبقة المتوسطة، فكيف بحال ما دونها ؟ وهناك كذلك منافع ومصالح أخرى لمشروع سكة الحديد يمكن أن تصب لصالح التعايش المجتمعي إذا عرفنا كيف نعمل لصالحه، فستكون هناك (260) خدمة سوف ينتجها هذا المشروع، ويمكن إدراجها في ثلاثة اقسام الذي يهمنا منها القسم الخاص بالخدمات الجديدة التي سوف يتم توطينها في البلاد، مثل صناعة عربات القطار والصناعات التعدينية بالاضافة الى الخدمات الاخرى سالفة الذكر .. فمثل هذه الخدمات ينبغي أن لا يحتكرها هامور أو لوبي، وإنما يوسع نطاق الاستفادة منها مجتمعيا وعلى وجه الخصوص المجتمعات التي سوف تقام تلكم الخدمات في نطاق ترابها المحلي حتى ننقلها اقتصاديا، ومن ثم شغلها بالمستقبل المشترك والمصير الواحد بدلا من تكريس ثقافة النفع الخاص والأحادي الجانب، ومزاعم الارض التاريخية، وهى مزاعم اظهرت بلادنا وكأنها فوق رمال متحركة وليس فوق ارض تمتلكها الدولة، فهل هناك تفكير سياسي رفيع المستوى في جعل مشروع القطار بداية التحول في صناعة قواسم مشتركة للتعايش الايجابي بين الافراد والجماعات المحلية المتصارعة على قطعة ارض أو عين ماء .. من أجل تصالحها عبر منظومة المصالح الاقتصادية التي سوف تولدها التطورات الاقتصادية المقبل كمشروع القطار؟ آن الاوان أن نشتغل لصالح دمج الافراد والجماعات مهما كانت خلفياتهم القبلية داخل منظومة اقتصادية ذات نفع خاص حتى نكسب الرضا الاجتماعي للتطورات الاقتصادية من جهة وحتى نرجح المشتركات الجامعة بدلا من تعزيز الخلافات والاختلافات القليلة من جهة أخرى، ومشروع القطار فرصة مواتية لدفع الامور باتجاه كسب الجماعات المحلية دون تفرقة، وفرصة كذلك لإيجاد وسائل اقتصادية تعزز تعايشها الترابي ووحدته، فهل فهمت الرسالة يا سلطتنا المحلية ؟