قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة ـ 188).
ـ معاني الكلمات: (تأكلوا): لا تأخذوا أو تستولوا، (بالباطل): بوجه غير مشروع كالقمار والغصب والرشوة والسرقة، وعدم دفع الإيجارات، (تدلوا): تلقوا، مأخوذة من إلقاء الدلو بواسطة الحبل إلى البشر، (الحُكّام): القضاة وأصحاب السلطة، (فريقًا): بعضًا من المال، (بالإثم): بالذنب كشهادة الزور والحلف والكذب والرشوة، (وأنتم تعلمون): إنه لا يجوز أكلها بالباطل شرعاً، وأنه معصية.
ـ التفسير الإجمالي:
وحتى يشيع الأمن والاستقرار في المجتمع، وطرد التخلخل والفساد الاجتماعي والاقتصادي فيه، شرع الله لنا أدباً رفيعاً يؤدي إلى ذلك. ولا ريب إنّ النفوس مطبوعة على حبّ المال، لكننا مطالبون بتأديب نفوسنا من ذلك بما أدبنا الله به، فيه خلاصها، ووقاؤها من المبطلات، فإنّ الذي منعك من سرقة شيء حرّم آلاف السرقات ممن حولك التي قد تقع عليك في مالك، فسبحان الله العزيز الحكيم اللطيف.
وفي هذه الآية يحذرنا الله سبحانه وتعالى، أن يأكل بعضنا أموال بعض بطريق غير مشروع، وعبّر الله بـ(أموالكم) نظرًا للأخوة الإسلامية التي تأبى ذلك، ولإن المسلم يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، فمَن ارتكب خطأً على أخيه ارتكب خطأً على نفسه فليحذر إذن.
ثم يحذرنا الله أدبًا آخر وهو عدم إلقاء أموالنا إلى القضاة وأصحاب السلطة، بغية أن يحكموا لنا في خصومة بأن نأخذ مال غيرنا بطريق غير مشروع، ويكون المال المكتسب بالباطل أكثر من الرشوة، ويستنبط من هذه الآية قاعدة فقهية وهي إن حكم الحاكم لا يُحلِّل الباطل، فمما يروى أن رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سمع خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:(إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا).
أما عن أدب تطهير النفس من الشُحّ، فقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر ـ 9).
ـ معاني الكلمات: (الشُحّ) هو أشد البخل مع الحرص، ويشمل المال والمعروفَ من الحقوق، وهو طبع وخلق أصيل في بعض النفوس، (المفلحون): هو الفوز بأضعاف مضاعفة، حتى يكون منه شيء لا دخل لك فيه، كمَن يلقي الفلاح البذرة فتطلع وتثمر، وهو لا دخل له في ذلك شيء غير الحرث والسقي.
ـ التفسير الإجمالي:
سورة الحشر وهي مدنية النزول، والحشر هنا هو جمع يهود بني النضير عند خروجهم من المدينة المنورة، واحتوت على ذكر الأوائل السابقين إلى الإسلام، وهم المهاجرون والأنصار، وكيف أن الأنصار قاسمت المهاجرين أموالهم مع ما هو بهم من خصاصة، لذلك قررت الآية قاعدة قرآنية، وهي أن من يُوقى شح نفسه فقد نال درجة الفلاح عند ربه سبحانه وتعالى، وقال سبحانه:(وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) (محمد ـ 38).
ـ معاني الكلمات: (البخل) هو إمساك المال والمقتنيات عما لا يحق حبسها عنه.
ـ التفسير الإجمالي:
سورة محمد مدنية النزول، وتسمى بسورة القتال أيضًا، لحديثها عن القتال، ومحورها الرئيس ذكر المنافقين وتخلفهم عن الجهاد، وبيان أحكام الجهاد والأسرى، ووصف الجنة، وجاءت هذه الآية في سياق الجهاد لأنها تعبر عن الجهاد بالمال، والحقيقة أنه مَن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، حيث يحرمها الأجر العظيم والبركة والنماء الزائد في المال بفعل الزكاة والصدقات، والله لا يلحقه نفع فيكون محتاجاً للنفقة، وإنما ذلك امتحان منه لنا ـ جلّ جلاله، فهو الغني عن جميع الموجودات، وكل الموجودات مفتقرة إليه سبحانه.



* علي بن سالم الرواحي
كاتب عماني