[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” إننا في هذا الطرح سنتجنب التشعب بقدر المستطاع في تناول هذا الموضوع، مقتصرين التركيز حول محاولة الإجابة على السؤال محل الدراسة وهو: كيف ساهمت الأنظمة السياسية والحكومات المعاصرة، في صناعة الإرهاب وتسمين التنظيمات الإرهابية او المتطرفة والمتعصبة فكريا ودينيا؟”
ـــــــــــــــ
أخذت الدراسات والبحوث التي تناولت موضوع الإرهاب والتنظيمات المتطرفة والمتعصبة عبر التاريخ جانبا واسعا من الاهتمام الدولي الرسمي والأكاديمي، ولتفرع المجالات التي تتداخل وهذا الموضوع وأهميته الكبيرة التي تصب في استقرار وامن الدول الشعوب برزت الكثير من التخصصات الإنسانية التي تتعامل وأطروحاته وتفرعاته، وشخصيا كتبت العشرات من الدراسات والبحوث والمقالات التي حاولت سبر أغوار هذا الموضوع الحضاري والإنساني الخطير والهام، سواء كان ذلك على مستوى الدول او الأفراد، او في جانبه الديني او السياسي او الأمني او الاجتماعي او الاقتصادي وغير ذلك، منها موضوع الإرهاب من النظرية السياسية إلى المعالجات الأمنية والسياسة بين الأخلاق والقانون وسيكولوجيا المحفزات الثانوية للإرهاب، وهي على سبيل المثال لا الحصر.
إلا أننا في هذا الطرح سنتجنب التشعب بقدر المستطاع في تناول هذا الموضوع، مقتصرين التركيز حول محاولة الإجابة على السؤال محل الدراسة وهو: كيف ساهمت الأنظمة السياسية والحكومات المعاصرة، في صناعة الإرهاب وتسمين التنظيمات الإرهابية او المتطرفة والمتعصبة فكريا ودينيا؟ وبمعنى آخر: ما هي أهم الأفكار التي ساهمت الأنظمة السياسية والحكومات في ولادتها ونشوئها ومن خلالها تم تسمين تلك التنظيمات المتطرفة والمتعصبة والإرهابية بالأفراد، وخصوصا من فئة الشباب ؟! ومنه سنتعرف على الحلول الممكنة لاحتواء وتقليص مخاطر هذه القضية من خلال تلك الأطروحات نفسها.
لذا ستكون الإجابة من خلال تناول نقاط معينة وهي على سبيل المثال لا الحصر، أجد من وجه نظري الشخصية، أنها ابرز النقاط الحاضرة في وقتنا الراهن والتي تساهم بشكل ملحوظ وواضح في صناعة هذا الوحش او تسمينه من خلال تغذيته بالأفراد والأفكار السلبية والتحريضية التي تساهم في اتساعه وانتشاره وقوته. ومن أهم وابرز تلك النقاط والأفكار والأسباب التي تجعلنا نوجه الاتهام واللوم للحكومات الغربية بوجه عام وحكوماتنا العربية على وجه الخصوص، النقاط التالية ـ وهي بكل تأكيد على سبيل المثال لا الحصر: فكرة صناعة عدو، الاغتراب السياسي والوطني والديني للشباب، افتقاد الثقة في الأنظمة السياسية والحكومات المعاصرة، وضعف الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصادية، وسوء المعالجات التي وجهت لهذه الظاهرة التي استفحلت في عصرنا الراهن) لذا سوف نتحدث عن بعضها بقليل من الشرح وليس الإسهاب والتفصيل، خصوصا تلك التي نجد أنها تقع على قمة سلم الأهمية والأسباب ، وهي كالتالي:
الفكرة الأولي: فكرة صناعة عدو: لقد ساهمت أطماع وطموحات الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الاستعمارية الحديثة في خلق وصناعة وحش الإرهاب الحديث، وتسمين مصادر وموارد التنظيمات المتعصبة والمتطرفة في كل أرجاء المعمورة، وخصوصا في الشرق الأوسط، وطبعا فإن الحكومات المعنية بهذا الأمر ليست الحكومات الأجنبية فقط، بل وحتى الحكومات العربية كذلك، إذ أنها جميعا أي الحكومات في الغرب والشرق تتحمل وتحمل على عاتقها وزر هذا الأمر سواء بالصناعة او المشاركة او المساهمة المباشرة او غير المباشرة، وذلك من خلال إحياء أقدم فكرة في التاريخ السياسي والعسكري، فكرة خلق وصناعة أعدائها بنفسها، سواء كان أولئك الأعداء حقيقيين أم وهميين، ففي النهاية الغاية واحدة وهي خلق الأجواء المناسبة لجعل العالم يسير خلف مخاوفه، ويتمسك بشعارات جوفاء فضفاضة من اجل خدمة إطماعها الامبريالية التوسعية في العالم، او لهدف إحكام القبضة الأمنية على شعوبها في الداخل.
وباختصار فإن بروز التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في كل بقاع الأرض وخصوصا في عالمنا العربي اليوم هو نتيجة مباشرة لما صنعته أياد قامت بإحياء فكرة صناعة العدو من خلال بث روح الكراهية والحقد والفوضى، إذ لا يتعدى ما يحدث في الوقت الراهن أن يكون صناعة سياسية بشرية شيطانية مخططا لها بشكل مسبق، تهدف إلى تحويل العالم إلى مستنقع موحل تكسب من ورائه بعض القوى العالمية والأنظمة السياسية مكاسبها الرخيصة، وان ذلك النوع من الاستراتيجيات الظلامية سالفة الذكر غير مستبعد ابدأ، بحيث لا يجب أن نتصور أن افتعال الأحداث أو السعي خلف الظلال ومواجهة الأوهام، أو محاربة طواحين الهواء هو شئ ساذج وغير متوقع أو ممكن أبدا في عالم الاستراتيجيات السياسية الدولية الحديثة، فهذا هو العالم الذي نعيش فيه، عالم يتحدى الواقع والمعقول، وسياسات دولية لا أخلاقية تتعدى حدود المستحيل والتصور، وعلى رأس تلك الاستراتيجيات والخطط المستقبلية ، فكرة إنشاء الأعداء ومحاربتهم.
وكما جاء في كتاب السياسي مايكل ريفير والذي يحمل عنوان تزييف الإرهاب - سبيل إلى الديكتاتورية أن الحكومات المشتبه باشتراكها في اعتداءات 11 /9 / 2001 ، قد أنشأت تقليدا ساخرا ومهيبا، وأبعد من أن يكون فكرة لا مثيل لها هي أقدم خدعة في كتاب تعود إلى العصر الروماني، إذ تنشئ الأعداء الذين تحتاج إليهم، واقرب مثال حديث على ذلك هو مشروع الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن لمكافحة وحش الإرهاب.
الفكرة الثانية : الاغتراب السياسي والوطني للشباب: حيث من الملاحظ أن اغلب المنتمين والمنضمين إلى تلك التنظيمات هم من فئة الشباب، وخصوصا من الفئات التي تحمل أفكار الكراهية والحقد والضغينة على أنظمتها السياسية بسبب سوء الأوضاع المعيشية التي يعانون منها هم وأفراد أسرهم او أبناء وطنهم، او بسبب القمع وتكميم الأفواه والتنكيل الأمني وكبت الحريات السياسية، والحقيقة أن الأنظمة السياسية والحكومات تمارس دورا جوهريا في تحديد نمط وشكل ومضمون الهوية الوطنية للشباب، خاصة فيما يتعلق بالمواطنة بوصفها ثابتا جوهريا تتشكل على أساسه الدولة، ويستقر من خلاله الوطن، والهوية هنا: تتضمن الولاء والانتماء، والذي يعني ارتباط الفرد بالأرض والشعور بكونها جزءا من مجموعة أوسع ـ الأسرة والقبيلة والجنسية والقومية ـ ينتمي إليها ويحس بالاطمئنان والفخر والرضا المتبادل بينه وبينها، والولاء الذي يرتبط بالانتماء هو صفة أصيلة للهوية الوطنية، حيث أن الولاء يرتبط بالانتماء وهو علاقة بين وطن وفرد يعلن ولاءه للنظام السياسي ـ الذي يفترض أن يمثل ذلك الوطن أفضل تمثيل في الداخل والخارج.
وللأسف الشديد، فقد انعكس الواقع السياسي سلبا وبشكل مباشر على التكوين النفسي والثقافي للشباب العربي ، حيث تشير العديد من الإحصائيات والدراسات الموثقة، أن نسبة تتجاوز الـ 70% من الشباب العربي محبط من إمكانية تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في ظل الأنظمة السياسية الراهنة، وان أكثر من 25% تعيش حالة من الانفصام عن الواقع العربي، وتعيش حالة من عدم الاكتراث واللامبالاة بذلك الواقع وقضاياه، وباقي النسبة تتذبذب بين الأمل واليأس والخوف والحقد والتمني، وهو ما يدل على أعلى درجات الاغتراب السياسي والثقافي للشباب العربي في وطنه.
ولقد انتهج الشباب العربي عددا من المناهج والطرق المؤلمة للخروج من تلك الحالة من الاغتراب الوطني، فمثلت الهجرة أولى الطرق لذلك، مما أفقد أوطاننا العربية العديد من العقول والأدمغة التي استفاد منها الغرب وكان أولى بأوطانها أن تستفيد منها ومن علمها، أما الشكل الثاني فقد اتخذ حالة من العنف السياسي والعسكري المنظم، مدعوما من الخارج بالمال والأفكار المستوردة والخارجة عن تعاليم الدين الإسلامي، وكذلك من خلال الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة والمتعصبة والإرهابية ، وليس اصدق على ذلك من التفجيرات والمواجهات المسلحة مع الأنظمة في العديد من الدول العربية، وباختصار فإن حالة الإحباط التي يعيشها الشباب العربي على الصعيد السياسي والاقتصادي نشطت حالة العنف لديهم، فتبلورت في العقل الجمعي بصفة عامة وفي عقل الشباب العربي على وجه الخصوص وباعتبارها أفضل السبل لنيل الحقوق وأفضل الطرق لحل الكثير من القضايا وتلبية العديد من المتطلبات المعيشية.
الفكرة الثالثة: افتقاد الثقة في الأنظمة السياسية والحكومات المعاصرة: من ابرز الأسباب التي أدت إلى انتشار واستفحال التنظيمات المتطرفة والمتعصبة وتسمين منابعها وتقوية شوكتها في العالم العربي بوجه خاص، هو افتقاد الشعوب لثقتها في أنظمتها السياسية، والثقة في المؤسسات الحكومية التي تدير شؤون المواطنين وحياتهم اليومية، الثقة في المسؤولين القائمين على تلك المؤسسات الرسمية، الثقة في الدستور والقوانين المنبثقة عنه والتي يفترض أن توجه سلوك الناس إلى ما فيه خير الوطن والمواطن بعدالة ودون استثناء وتمييز بين حاكم ومحكوم، او بين غني وفقير، وما إلى ذلك، وكذلك الثقة في الخطط والمرئيات والتوجهات الرسمية التي تحرك عجلة التنمية والبناء والتقدم وتدفع الحاضر القائم إلى مستقبل مزدهر بكل قوة واطمئنان، الثقة في الواقع السياسي ككل، كل ذلك وغيره يدور فيما يطلق عليه او يسمى اصطلاحا بالثقة السياسية والتي ترتبط من جانبها بما يمكن أن نطلق عليه بالحكم الرشيد او المستنير.