تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي عدوانها وإرهابها ضدَّ كُلِّ ما هو فلسطيني، مستغلِّةً الصَّمت الدولي والاهتمام بالحروب والأزمات المتتالية، لتفعل ما تشاء دُونَ حسيب أو رقيب، لدرجة حوَّلت حياة أبناء فلسطين اليومية إلى جحيم، وعملت دولة الاحتلال على تسريع المخططات الخبيثة؛ لتحقيق أهدافها التي لَمْ تَعُدْ خافيةً على أحَدٍ. فبجانب الإعدام الميداني، والحصار الخانق الذي باتت تفرضه على كُلِّ المُدن والقرى الفلسطينية، وإطلاق يد قطعانها الاستيطانية، والتنكيل بالأسرى الفلسطينيين وحرمانهم من أبسط الحقوق التي يقرُّها لهم القانون الدولي والإنساني، تخرج علينا دولة الاحتلال الإسرائيلي متبجِّحةً لِتردَّ على البيانات التي ترصد تلك الانتهاكات، والتي تخرج من جهات أُمميَّة ودوليَّة في أقلّ قدرٍ لها، ولا تتحدث حتى عن معاقبة أو محاسبة هذا الاحتلال الإرهابي على جرائمه، ولا نعرف متى سيستفيق الضمير العالمي، ليعاقب دولة الاحتلال الإسرائيلي وحماية الشَّعب الفلسطيني الأعزل؟
ولعلَّ هذا الصَّمت العالمي هو ما يجعل دولة الاحتلال تنكر الحقوق الوطنيَّة العادلة والمشروعة الفلسطينيَّة، وفي مقدِّمتها حقُّ تقرير المصير، وإعلان دولة مستقلَّة بعاصمتها القدس الشرقية، وتحفيزها على إغلاق الأفق السياسي لحلِّ الصراع، وإمعانها في ابتلاع المساحة الأكبر من أرض دولة فلسطين، وذلك نتيجة حتميَّة لسيطرة اليمين المتطرف الإرهابي الذي يُعدُّ المُكوِّن الأبرز في المُجتمع الإسرائيلي، ويسيطر على مراكز صنع القرار في دولة الاحتلال، ويعمل على تفعيل ثقافة وسياسة الفصل العنصري “الأبارتهايد”، ما ينطوي على مخاطر جمَّة، وتُشكِّل تهديدًا وجوديًّا للفلسطينيين، وتهديدًا أيضًا لأمن واستقرار المنطقة، حيث يسيطر هذا التيار العنصري المتصاعد على الأفق السياسي، وتتجلَّى دعواته لضمِّ المستوطنات، والإقدام على عمليات تهجير وترحيل للفلسطينيين، وسحب الجنسية من المواطنين الفلسطينيين، وإبعادهم بالقوة عن أماكن سكناهم، والذي يعمل على سنِّ المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية، ما يُشكِّل فضاءً شرعيًّا لتعميق ظاهرة الإرهاب اليهودي في الضفَّة الغربيَّة المحتلَّة، ودعمًا غير محدود للمستوطنين، ومنظماتهم، كغطاء سياسي من شأنه تعميق الاستيطان، وسرقة المزيد من الأرض الفلسطينية وممارسة أبشع أشكال التطهير العرقي.
إنَّ أبرز دليل على أنَّ تلك السياسات تعمل بشكلٍ مُمنهج هو تأكيد منسِّقة الأُمم المُتَّحدة للشؤون الإنسانيَّة بالإنابة لوسيا إلمي، أنَّ عام 2022م يُعدُّ الأكثر دمويَّةً في الأراضي الفلسطينية منذ (16) ستة عشر عامًا؛ نتيجة الزيادة المقلقة في أعمال العنف، والقيود المفروضة على الحركة في الضفَّة الغربيَّة، بما فيها القدس الشرقيَّة، حيث شهد العام استشهاد ما لا يقلُّ عن (105) مئة وخمسة فلسطينيين، بَيْنَهم (26) ستة وعشرون طفلًا على أيدي قوات الاحتلال، لتشدِّدَ على أنَّ عام 2022م هو أكثر الأعوام دمويَّةً منذُ عام 2006، وأشارت إلى ارتفاع المعدَّل الشهري للضحايا الفلسطينيين بنسبة 57٪ مقارنة بالعام الماضي، مشيرةً إلى أنَّه منذ بداية الشهر الجاري، استُشهد (15) خمسة عشر فلسطينيًّا، بَيْنَهم (6) ستة أطفال، على أيدي قوات الاحتلال في عمليات البحث والاعتقال، أو تبادل إطلاق النار، أو خلال مواجهات في الضفَّة بما فيها القدس، وغالبًا ما يكُونُ ذلك في أعقاب اعتداءات المستوطنين، أو توغُّلهم في القرى الفلسطينية، في بعض الحالات. وتأكيدًا على رفض المزاعم الإسرائيلية التي تبرر تنامي العدوان الإرهابي، استبعدت المسؤولة الأُمميَّة أنْ يُشكِّل الضحايا تهديدًا ملموسًا، أو وشيكًا؛ لتبرير استخدام القوة المُمِيتة، ما أثار مخاوف من الاستخدام المُفرط للقوة.
ولَمْ يخرج التنكيل بالأسرى الفلسطينيين عن السياق، حيث تعمل دولة الاحتلال الإسرائيلي على منْع أبسط الحقوق عن الأسرى وهي زيارة ذويهم، حيث طالبت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيَّة، اللجنة الدوليَّة للصليب الأحمر بالتدخل الفوري لدى حكومة الاحتلال وإدارة سجونها، لوقف سياسة حرمان ذوي الأسرى من زيارة أبنائهم، استنادًا إلى حجج واهية، ما يؤكِّد أنَّ هذه الخطوة مبنيَّةٌ على نيَّات عقابيَّة وانتقاميَّة من الأسرى وذويهم، ما يفرض على المؤسَّسات الدوليَّة ذات الصِّلة ضرورة التحرُّك لوضْع حدٍّ لهذا التفرُّد، يَجِبُ أنْ يركّزَ على أُسُس قانونيَّة وحقوقيَّة وإنسانيَّة؛ لأنَّ أسرانا أسرى حركات تحرُّر، والزيارات يَجِبُ أنْ تكُونَ منتظمة ومكفولة من قِبل الجهات الدوليَّة وفي مقدِّمتها اللجنة الدوليَّة للصليب الأحمر.