ذلك الوجع المقيم في النزوح السوري ما به يزداد سوءا، كثر الحديث عن مساعدات له أو عن زيادة في المعاناة نتيجة تقلص الدعم المخصص. بالأمس أعلنت بريطانيا انها ستمنح مائة مليون سترليني لمساعدة السوريين النازحين، وقبلها أعلنت هي وغيرها عن مئات ملايين مماثلة، من أجل أكثر من ثلاثة ملايين نازح خارج سوريا اضافة إلى أكثر من خمسة ملايين في الداخل السوري، وهي أرقام لا يمكن الاستهانة بها وبما تعنيه.
ولكن رغم كل تلك الأرقام التي تنشر هنا وهناك، مازالت معاناة النازحين تزداد سوءا، فقد وصلت معونة النازح الواحد الى 19 دولارا وفي بعض المناطق 17، فيما كانت في بدايتها ستين دولارا تقريبا، ثم انحدرت الى ثلاثين، ثم ان طلة بسيطة على مكان سكنى النازحين في الأقطار العربية المحيطة بسوريا وبتلك في تركيا، تقدم لنا الدليل على معاناتهم في سبيل تدبير امورهم. فهي خيام لم تعد تصلح للمأوى بعد ان دمرها الهواء المتلاعب بها، اضافة الى حاجات السكان الاساسية من حمامات وتوابعها. اما المساحات والفراغات بين الخيم فمازالت ترابية بحيث تمتلىء بالوحول عند كل موسم مطر، كما هو الحال في لبنان والذي وصفته إحدى المسؤولات من إحدى جمعيات الإغاثة بأنه كارثي ولا انساني، وتوقعت أن يصاب كل سكان مخيمات النزوح في مراحل من العمر بأمراض الروماتيزم التي تنتج عن البرد المستمر.
النزوح السوري اذن واحدة من مصائب الأزمة السورية وناتج عنها، في لبنان مثلا اكثر من مليون ونصف المليون نازح، يعيشون على كفاف مايحتاجونه في الواقع. ونظرة سريعة على واقعهم، فإن معظمهم من الأطفال الصغار الذين لم يتعرفوا بعد على الحياة، ومن المؤسف القول، ان نسبة الإنجاب تزداد حتى بينهم، وتقول آخر الاحصاءات ان اكثر من اربعة آلاف مولود جديد اضيفوا الى العدد الأصلي، وهؤلاء يحتاجون ايضا الى وضع خاص من الحليب وغيره.
النازحون في لبنان عينة بسيطة عن عينات اخرى يمكن وصفها ايضا بالمشكلة الانسانية، ومن ابرزها اللاتعليم وهنا تقول الاحصاءات انه سينشأ جيل سوري امي تماما لا يعرف القراءة والكتابة اذا لم يكن هنالك اكثر من جيل. وكان يفترض بالمشرفين على مأساة النزوح ان تؤمن لهؤلاء التعليم الممكن، اضافة الى الطبابة التي إن وجدت فخجولة ايضا.
ويبقى السؤال: لقد عقدت مؤتمرات عدة لمن يسمون أنفسهم المانحين وأصدقاء سوريا، وأعلن خلال تلك المؤتمرات عن تبرعات بمئات الملايين من الدولارات لمساعدة النازحين السوريين على تمرير الوقت الصعب الذي يعيشونه، فلماذا يتأخر وضعهم الانساني، ولماذا شكواهم المستمرة عند كل لقاء لهم مع الاعلام، ولسان حالهم يقول أين ذهبت مئات الملايين التي قيل أنها خصصت لأجلهم؟
ولا يوجد اجابة على تساؤلات هؤلاء النازحين الا الاستنتاج بأن تلك الأموال ظلت طريقها وذهبت بالمحاصصة الى جيوب وحسابات القائمين على شؤن هؤلاء النازحين ومنهم أولئك السماسرة الناعقين بأكذوبة الدفاع عن حقوق الشعب السوري والذين يتنقلون بين عواصم العالم بتذاكر مدفوعة وينزلون فنادق الخمس والست نجوم في العواصم الداعمة للإرهاب، ولتغطية صفقات السلاح للإرهابيين الذين يسمون معارضة مسلحة وفي مقدمتهم داعش والنصرة والذين يتسببون بأعمالهم الاجرامية في مزيد من المعاناة ليس للنازحين وإنما للشعب السوري بأكمله.