في الأسبوع الماضي انتهيت من قراءة روايتين، الأولى بعنوان “دفوف رابعة العدوية” للقاص والروائي العراقي عبد الستار البيضاني والثانية للروائية آني إرنو الفرنسية الفائزة بجائزة نوبل للآداب لهذا العام وروايتها بعنوان “الحدث” .
ليس بقصد المقارنة، إذ يبقى لكل كاتب طريقته وأسلوبه الخاص في معالجة موضوعه، لكن ومن خلال محاكمة النص والقدرة على السرد واختيار أجزاء الحدث وتجسير العلاقة مع الحدث الأم، وفي المحصلة يكون تقييم القارئ للعمل الأدبي بصورة عامة والروائي على وجه الخصوص، يرتبط بحجم المتعة المتأتية من القراءة والمتعة الأكبر في الحصيلة النهائية للعمل، لهذا أقول إنني قد استمتعت كثيرا برحلة البيضاني مع “رابعة العدوية ودفوفها” أكثر بكثير من رحلة الروائية الفائزة بنوبل وما طرحته من أفكار وما سطرته من أحداث، حيث تتبعت خلالها معاناة الشابة التي تحاول إجراء عملية إجهاض بعد أن أصبحت حاملا وما زالت صغيرة.
بالتأكيد لولا فوز الروائية الفرنسية بجائزة نوبل لن أضع هذه المقارنة بين العملين، وربما لم أقرأ روايتها، لكن هكذا تصنع بنا أخبار الأدب حالها حال أخبار السياسة.
بينما انشغلت الفرنسية بقضية محورية واحدة، فقد تنقَّل بنا البيضاني إلى عوالم عديدة، رفدها بالصوفي والفلكلوري والتاريخي، وبانسيابية عالية في السرد وفي رصف الأحداث وبنائها، يغوص في السياسة دون أن يبدو ملامسا لها، ويقف عند حوافّ الحروب دون أن يبدو متذمرا رغم الغصة في أعماقه، إذ يستعيد أحداثا من ايام الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين، وتتلمس آلام الحصار وعذاباته في روح البطل المعذبة في تلك الأيام غير العذبة.
في رحلته لمدينة البصرة في أقصى جنوب العراق، يعيش أحداثا تأريخية حقيقية، في أحياء البصرة القديمة وعوالم مدن المعقل والموانئ العراقية، ثم مقبرة الحسن البصري والمكان الذي ترقد فيه رابعة العدوية، وطقوس الغناء والرقص، ويقدم الروائي تفسيره للكثير من الأحداث والأسماء ضمن سياق السرد الروائي المتقن دون أن يشعر القارئ أنه يلتهم تلك المعلومات.
رحلة عشق عذب يعيشها بطل الرواية، تزخر بالحلم وتطوقها الحقيقة وتتنفس أملا متقطعا، رحلة إلى مدينة البصرة، ثم رحلة غريبة إلى مقبرة الحسن البصري، إذ يختار ساعات الفجر الأولى في زيارة يمكن وصفها “بالصوفية المتفردة”، ويمارس الطقوس التي عاشت بداخله لفترة طويلة ثم رحلة البحث عن جذور عائلته، وفي كل تلك الرحلات يستحضر البيضاني التاريخ معه ويلهمه الكثير ويستلهم منه.
لقد وجدت في رواية “دفوف رابعة العدوية” للقاص والروائي العراقي عبد الستار البيضاني والصادرة مؤخرا عملا روائيا حقيقيا، أجهد المؤلف نفسه ليقدم رواية بقيمة عالية في البناء وفي التناول.

وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]