تأملات مُعلِّم في يوم المُعلِّم، مقالي المنشور بهذه الجريدة الغراء (الوطن) العُمانية، في صفحة آراء، في العاشر من أكتوبر من هذا العام، وقد طرحت في هذا المقال إشكالية عدم تقدير المُعلِّم، وعدم وضعه في مكانه الاجتماعي المناسب. وحول هذا المقال استلمت ردود فعل من العديد من القرَّاء، كان أبرزها رسالة إلكترونية استلمتها من صحفي قدير له باع في الكتابة الصحفية، إنه الصحفي المغربي مصطفى القطبي، حيث كانت له مداخلة عميقة، أبَيْتُ إلَّا أن أشارك القرَّاء الأعزاء الاستفادة منها، قال فيها:
((سيدتي الفاضلة: أعجبني مقالك الأخير عن المُعلِّم في عيده، وكم يحزُّ في النَّفْس أن نرى قيمة هذا المُربِّي والمُعلِّم في معظم دولنا العربية، أصبحت في الحضيض. أكثر من حالة اعتداء على المُعلِّمين في حرم المدارس... أخبار تضج بها وسائل الإعلام بأنواعها تجعلنا نترحَّم على أيام زمان ـ حتى الماضي القريب كانت للمُعلِّم مكانته واحترامه في المدرسة والمجتمع، وما يحدث من حالات اعتداء أو ما نشاهده ونسمعه بعض حالات التنمُّر التي تحدث ما هو إلَّا تدهور لقيمته ومكانته. مئات رسائل الدكتوراه والماجستير في التربية، وكليات تربية ومعاهد... و... ومع ذلك حصادنا التربوي ليس كما تلك الأيام. وأهديك سيدتي الفاضلة أجمل ما قرأت عن المُعلِّم والوفاء للمُربِّي:
دخل الدكتور ضياء كمال الدين القاعة لحضور حفل تكريمه خلال زيارته للعراق بعد غياب دام أكثر من 15 عامًا، وهو طبيب استشاري أمراض القلب الأبرز في المستشفى الملكي في لندن، وعند مدخل القاعة استوقفه منظر بائع جرائد كبير السن يفترش جرائده على الرصيف، أغلق الطبيب عينيه ثم سرعان ما فتحهما، دخل القاعة وبدأ الحفل، غير أن ذهنه بقي مع بائع الجرائد، وعندما نودي على اسمه لدى حلول فقرة تقليده وسام الإبداع لم يتوجَّه إلى المنصَّة، بل توجَّه إلى خارج القاعة وسط ذهول جميع الحاضرين، وذهب باتجاه بائع الجرائد، وتناول يده فسحب البائع العجوز يده وقال له بخوف: اتركني يا بني، لن أبيع الجرائد هنا مرة أخرى، أمسك الدكتور ضياء بيده ودخل القاعة متجهًا إلى المنصَّة والكلُّ ينظر إليه. وعلى المنصَّة قال له وصوته يغصُّ بدمعة: ألم تعرفني يا أستاذ (خليل). فقال: لا والله يا بني، العتب على النظر. فرد الدكتور وهو يمسح دمعة عن عَيْنه: أنا (ضياء كمال الدين) تلميذك في المدرسة المركزية، لقد كنت الأول دائمًا، وكنت أنت من يشجعني ويهتم بي سنة 1966، نظر البائع العجوز إلى الدكتور واحتضنه، تناول الدكتور الوسام وقلَّده للأستاذ وقال مخاطبًا الحضور: والله ما ضعنا وتخلفنا وجهلنا إلا بعد إذلالهم، وإضاعة حقوقهم وعدم احترامهم وتقديرهم بما يليق بهم وبرسالتهم السامية.. إنه أستاذي ومُعلِّمي في المدرسة المركزية في بغداد.
مع خالص التقدير
الكاتب والصحافي: مصطفى قطبي المغرب.. وقد كان تعليقي على مداخلته:
((سيدي الكريم: سعدت باهتمامك بهذا الموضوع، أقدِّر طرحك واهتمامك بالتفاعل مع هذا المقال، وأتفق معك بأن مشكلة عدم وضع المُعلِّم في مكانه الاجتماعي المناسب هي مشكلة لا يمكن أن نجد لها حلًّا في ضوء منظومة التعليم الحالية، وأعني بذلك إلزامية التعليم بمنظومة موحدة لا تفرق بين قدرات الطلبة، فتكمن المشكلة في ضعف دافعية الطلبة للتعلم، فيصبون رفضهم للتعليم على المُعلِّم، متنمرين عليه، فالطالب لا يقدر العِلم، وبالتالي لا يقدر المُعلِّم، وكما يقال: إنك تستطيع أن تسوق الحصان للنهر، ولكن لا تستطيع أن ترغمه على شرب الماء، وهذا شأننا مع الطلبة، فنرغمهم على الذهاب للمدرسة، ولكن قلما نجد من بينهم من يرتوي بالعِلم!!!
فكان الأجدى أن ينشغل المُعلِّم بتعليم الطالب الذي لديه الشغف الحقيقي لطلب العِلم، فمن يؤمن بأهمية العِلم يوقر المُعلِّم والعالِم. أستاذي الفاضل: تبرز هنا إشكالية أخرى أنه يضيع وسط الطلبة الرافضين للعِلم فئة من الطلبة لديهم حُب العِلم والتعلُّم، ويبحثون عن ذاك المُعلِّم الذي يروي شغفهم، ولكن قلما يجدون ضالتهم وهو ذاك المُعلِّم الحكيم، فقد شغل المُعلِّم بأعمال إدارية روتينية حتى أضاع رسالته، وعجز عن لبس جبة العالِم التي تمنحه وقارا، فلعمري لقد أضاع الطالب المحب للعِلم ضالته، وأضاع المُعلِّم المحب للتعليم ضالته، وكل منهم يبحث عن الآخر وسط طلبة لا يستحقون لقب طالب عِلم.
ليت شعري هذه الإشكالية متى تحل؟!
هي هموم نتشاركها ونقتسمها علنا نجد سبيل لحلها)).
ذلك حوار دار بيني وبين الصحفي والكاتب القدير مصطفى القطبي المغربي والذي أثرى المقال بطرحه المميز أحببت أن أشارككم فيه، وكلنا أمل أن تعود للمُعلِّم هيبته في المجتمع، ومكانته الاجتماعية، ونقف له مبجلين فالمُعلِّم كاد أن يكون رسولا... ودمتم أبناء قومي سالمين.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
[email protected]
Najwa.janahi@