[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” ربما كان القلق حول أشكال القوى الصاعدة الى السلطة وراء التحفظ الذي أبداه مجلس التعاون الخليجي حيال الإنقلاب في صنعاء مؤخراً، زد على ذلك ما ابدته الولايات المتحدة الأميركية من "عدم رضا" عما جرى من متغيرات داخلية نظراً لمركزية اليمن، ليس جغرافياً حسب، ولكن إستراتيجياً وتكتيكياً كذلك،”
ــــــــــــــــــــــــــ

ليس اليمن "خاصرة" مجلس التعاون الخليجي فحسب، لكنه كذلك "خاصرة" خطوط التجارة العالمية بسبب موقعه الخطير على مضيق "باب المندب"، حيث يتواشج هذا المضيق الطبيعي بشكل عضوي مع وظائف قناة السويس الإستراتيجية، صنيعة الإنسان. زد على ذلك خدمة تلك الزاوية الجنوبية الغربية المهمة من جزيرة العرب جسراً حيوياً مهماً بين الجرفين القاريين الآسيوي والأفريقي. لهذين ولسواهما من الأسباب، لايمكن أن تمر المتغيرات السياسية الأخيرة في اليمن الشقيق دون تبعات ومعطيات غاية في الأهمية.
وإذا كان تمثال الملكة فكتوريا في مدينة عدن الجميلة لم يزل يخدم شاخصاً واضح المعالم على تنبه القوى العظمى لأهمية اليمن السعيد، منذ أكثر من قرنين حتى اللحظة، فإن دور اليمن المعاصر في السياسة الإقليمية ومتغيراتها الساخنة اليوم لايمكن أن يكون أدنى أهمية عما سبق، حيث لعب اليمن دوراً مهماً في تشكيل وتعزيز ما يسمى بـ"التضامن العربي" من خلال دوره المشهود عبر العقود الأخيرة في مؤسسة مؤتمر القمة العربية وجامعة الدول العربية.
ربما كان القلق حول أشكال القوى الصاعدة الى السلطة وراء التحفظ الذي ابداه مجلس التعاون الخليجي حيال الإنقلاب في صنعاء مؤخراً، زد على ذلك ما ابدته الولايات المتحدة الأميركية من "عدم رضا" عما جرى من متغيرات داخلية نظراً لمركزية اليمن، ليس جغرافياً حسب، ولكن إستراتيجياً وتكتيكياً كذلك، خاصة بقدر تعلق الأمر بالحملة العالمية لمحاربة الإرهاب. وإذا كانت إستقالة الرئيس اليمني السابق وحكومته قد عدت من قبل القوى الصاعدة محاولة متعمدة لعرقلة "التغيير الثوري" ولوضع العقبات أمامه، فان التالي من الخطوات التي ستتخذها اليمن ستتواشج بقوة حيوية واضحة المعالم، بدرجة كافية لتعاون اشكال القوى الصاعدة الجديدة مع الحملة العالمية التي تقودها واشنطن لمكافحة الإرهاب. هذا، بطبيعة الحال، يرتهن بمستقبل العلاقات بين البلدين وبين صنعاء ودول العالم الغربي الأخرى؛ على الرغم من أن للمرء أن يفترض بأن أشكال القوة الصاعدة الى سدة الحكم لن تقدم على أية خطوة تنطوي على إعاقة للحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، مع القوات المسلحة اليمنية لمكافحة جيوب الإرهاب داخل اليمن نظراً لحيوية ذلك على أمنها. أغلب الظن هو أن إشكال القوة الصاعدة ستقدم شروطاً محددة لإطلاق ايدي البنتاغون والمخابرات الأميركية لإستئناف عملها المضاد للإرهاب، مع التأكد من أنها لن تكون شروطاً تعجيزية. وللمرء أن يتوقع كذلك بأن صنعاء ستحرص على إقامة وإدامة أواصرها الطيبة مع دول منظمة التعاون الخليجي، لأن ذلك سيخدمها أيما خدمة، خاصة باعتبار حاجة اليمن للتشغيل وللأموال والإستثمارات الخليجية. ومع هذا التفاؤل، لا يمكن للمرء أن يعد فكرة إنضمام اليمن الى المجلس أعلاه فكرة واردة الآن أو في المستقبل المنظور، كما كانت عليه على سنوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
إن اليمن دولة محورية في الحملة العالمية على الإرهاب، لذا فإنها ستضطلع بدور سياسي وإستراتيجي مهم على مستوى الإقليم بعد أن غادرت القوى التقليدية (العسكرية) السلطة بشكل قد يكون نهائياً. بل أن الأكثر أهمية مما سبق الإشارة اليه يتضح من معاينة أشكال القوى الجديدة الصاعدة الى السلطة في سياق مهاد سياسي محلي وعربي ودولي مشحون بالمتغيرات: فالأوضاع على المستوى الدولي مرتبكة ومتوترة، خاصة إذا ما فشلت الجهود الألمانية/الفرنسية في إحتواء الأزمة الأوكرانية مع موسكو، الأمر الذي قد يمنح أشكال القوى اللاتقليدية الصاعدة جرعة حياة وتواصل قوية مبعثها ذات التوتر الدولي أعلاه، زيادة على سلسلة التوترات الإقليمية المباشرة القابلة للتناسل التي قد تطلق سباقاً خارجياً محموماً من أجل "الفوز باليمن"، بمعنى الحصول على صداقته وتعاونه، ولكن في سياق أجواء إقليمية تشهد حرباً باردة بين اشكال قوة إقليمية فاعلة، لا احد يريد لها أن تحتك ببعضها ثم تنفجر.