لا يخفى على أحد مدى اهتمام حكومتنا الرشيدة بالاقتصاد الأخضر يترجم ذلك الجهود المتنوعة التي تصبُّ في صالح حماية البيئة كالحملات التوعوية والمسابقات المعنية بهذا الأمر والمحميات الطبيعية المختلفة، وغيرها من الجهود التي تدعو للحفاظ على البيئة ومكافحة التلوث، وتحد من الاستهلاك غير الرشيد وتحث على صون الموارد الطبيعية، إلى جانب اهتمامها بالزراعة ودعمها للمزارعين لاستصلاح أراضيهم وإمدادهم بالبذور والآلات والنصائح والإرشادات وكافة ما يتعلق بزراعاتهم وبما يحقق لهم المحصول الوفير.. ناهيك عن إسهاماتها الدولية ومشاركتها في المعاهدات والاتفاقيات التي تدعو لمكافحة التغير المناخي والاحتباس الحراري.. كل ذلك لأنها تدرك أن هناك علاقة طردية قوية بين الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، فهو يحقق التقدم والتطور دون الإضرار بمكونات البيئة ونقاء مواردها الطبيعية من ماء وهواء وأرض وزراعات وطاقة وغيرها، وقد قطعت بلادنا شوطا كبيرا في هذا الاتجاهات.
ويُعد الاهتمام بقِطاع الهيدروجين الأخضر أحد أقوى الجهود التي اتخذتها الحكومة للحدِّ من انبعاثات الكربون والاهتمام بالبيئة وصون الطبيعة.. وقد اقتحمت بلادنا هذا القِطاع بقوة وتسعى لترسيخ أقدامها فيه، وتسعى لإنتاج نحو 200 مليون طن سنويا بحلول عام 2050م حيث أعلنت وزارة الطاقة والمعادن عن تدشين شركة هيدروجين عُمان وعن إطلاق الفرص والحوافز الموجهة للاستثمار في هذا المجال الناشئ الذي تتجه إليه الدول في سنواتها القليلة الماضية والمستقبلية، حيث أعلنت “أكثر من 25 دولة عن طموحاتها في إنشاء مشاريع إنتاج الهيدروجين” وفق تصريحات المسؤولين.. كما أعلنت الوزارة عن تفاصيل التوجيهات السامية التي أوضحت الصورة وحددت موعد تحقيق سلطنة عُمان للحياد الصفري الكربوني وذلك بحلول عام 2050م.. وأيضًا تم إعلان إنشاء مركز عُمان للاستدامة وكل ذلك وأكثر من جهود ملموسة للحدِّ من انبعاثات الكربون ومواكبة الجهود العالمية في هذا الشأن.
لا شك أن هذا المشروع الضخم له أكثر من مردود إيجابي، فهو يحافظ على الموارد الطبيعية ويسهم في جعل البيئة نظيفة من خلال الحدِّ من انبعاثات الكربون الضارة، وبالتالي يقلل التلوث والاحتباس الحراري.. كما أنه يدعم اقتصادنا الوطني لأنه إضافة قوية وفاعلة بإذن الله.. إلى جانب أنه يساعد في حل مشكلة الباحثين عن عمل لأنه يوفر أكثر من 70 ألف وظيفة في مختلف التخصصات، بالإضافة إلى أنه يضع سلطنة عُمان في مكانة سامقة ومحط أنظار العالم، ويعزز العلاقات بينها وبين غيرها من الدول؛ لأنها ستكون مصدِّرا قويا للهيدروجين الأخضر، ويكفي أن هناك عدة دول أبدت رغبتها في استيراده من السلطنة مثل اليابان وكوريا وأوروبا الغربية وغيرها رغم أننا في أول الطريق.. كذلك من مميزات هذا المشروع العملاق أنه سيسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتنويع مصادر الطاقة وغير ذلك الكثير.
لقد أنعم الله على السلطنة بموقع استراتيجي تتوافر من خلاله موارد الطاقة المتجددة الدائمة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتي سيتم استغلالهما لإنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يعد أحد مصادر الطاقة المستقبلية.. من هنا فإن من يستثمر في هذا المجال فكأنما استثمر في المستقبل.
لا شك أننا بحاجة لتوعية المجتمع بأهمية هذا النوع من الطاقة وتضمينه في المناهج الدراسية حتى تشب الأجيال القادمة وهي على كامل معرفة بطاقة الهيدروجين النظيفة، وكيف أنها تسهم في تحقيق التنمية المنشودة مع صون الموارد الطبيعية وحماية البيئة من المخاطر.
إن العالم أجمع يتجه نحو تحقيق النمو الاقتصادي مع الحفاظ على بيئة نظيفة متوازنة؛ لأن هذا سيعزز التنمية الشاملة المستدامة ويحقق حياة أفضل للأجيال القادمة.. وهذا ما تتبعه حكومتنا الرشيدة التي حرصت على توفير التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على مفردات الطبيعة؛ لأن النهوض بالاقتصاد لا يعني إهدار مواردنا التي وهبها الله لنا وتلوث بيئتنا.
لا شك أنه في ظل ما يعانيه العالم من احتباس حراري وظواهر مدمرة ـ تدل على غضب الطبيعة من الاستخدام الجائر لها ـ لم يعد أمام البشرية أي خيار سوى الحفاظ على البقية الباقية من الموارد الطبيعية والعمل على استعادة البيئة النظيفة الآمنة ودعم الاستثمار الأخضر وإدراجه كأولوية في الاستراتيجيات الوطنية حتى نضمن استدامة التنمية في كافة مجالاتها وتوفير الأمن الغذائي والمائي.. فالحاجة أصبحت متزايدة لتوفير الماء والغذاء والطاقة النظيفة، وهو ما يحتم على الشعوب والحكومات التعاون حتى لا تهلك جميعا.
إن مشكلة تغير المناخ والاحتباس الحراري صارت تهدد كوكبنا الأزرق.. ومنذ قيام الثورة الصناعية والوضع يزداد سوءا، حيث ترتفع باستمرار درجة حرارة الجو مما أدى لذوبان الجليد في الأقطاب، وبالتالي ارتفاع معدل حمضية المحيطات مما يهدد البيئة البحرية ويضر بصحة البشر، كما تفاقمت بصورة مفزعة الكوارث الطبيعية كالأعاصير والزلازل والجفاف الذي يتسبب في حرائق الغابات وغير ذلك من المشاكل التي أصبحت تبحث عن حل بصورة ملحَّة.
لا شك أنه قد آن الأوان لاتخاذ قرارات أكثر جدية للحدِّ من انبعاثات الكربون.. وإذا كانت سلطنة عُمان تبذل الجهود المضنية من أجل تحقيق ذلك عن طريق المصادقة على كافة الاتفاقيات الدولية المعنية بتغير المناخ والالتزام بكل بنودها ودعوتها الدائمة للمجتمع الدولي كي يخفف من الاستخدامات الخاطئة لمصادر الطاقة الحيوية إلى جانب ما تقوم به من جهود وفعاليات للحفاظ على البيئة وآخرها تبني مشروع الهيدروجين الأخضر، فإننا نجد على الجانب الآخر معظم الدول الصناعية الكبرى لا تلبِّي نداء الطبيعة، وما زالت تعيث فيها فسادا وتلويثا أملا في تحقيق مكاسب مادية حتى ولو على حساب الجميع.
إن الوضع لم يعد يحتمل التسويف والتجاهل لمشكلة الاحتباس الحراري وتغير المناخ؛ لأن ذلك سيضاعف من سوء العواقب ويقرب الأرض من مصيرها المحتوم.. فلا بُدَّ أن تتحمل كل دولة مسؤوليتها في الحفاظ على موارد البيئة، وعليها أن تستغل التكنولوجيا الحديثة لتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة السامة والوصول لمستوى صفر بحلول عام 2050 كما تسعى بلادنا واللجوء للطاقة المتجددة النظيفة حتى لا تدفع الأجيال القادمة فاتورة عناد وجشع الأجيال الحالية.


ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني