أضحى تطوير المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة من الضروريَّات الاقتصاديَّة المعاصرة؛ وذلك لأهميَّتها الكبرى في تحقيق التنمية الاقتصاديَّة التي تتَّسم بالتنويع الاقتصادي، كما تُعدُّ المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة أهمَّ رافد من روافد التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة في البلدان النَّامية والمتقدِّمة، فتلك المؤسَّسات تُشكِّل مجالًا خصبًا لتطوُّر المهارات الإداريَّة والفنيَّة والإنتاجيَّة والتسويقيَّة، فهي تُشكِّل مصدرًا للإبداع والابتكار، بالإضافة إلى قدرتها الفائقة على المساهمة في زيادة الطاقات الإنتاجيَّة واستيعاب القوى العاملة الوطنيَّة، وإلى ما تضيفه من قِيمة محلِّيَّة مضافة على المنتجات الوطنيَّة، لكنْ يظلُّ التمويل أحَدَ أبرز التحدِّيات التي تواجِه تلك المؤسَّسات والتي تَحول دُونَ تطويرها. وفي خضمِّ مساعي الدوَل لطرح حلولٍ تمويليَّة تتَّسم بالاستدامة لتلك المؤسَّسات الضروريَّة والحيويَّة لتنمية الاقتصاد الوطني، اتَّجهت بعض الدوَل المتقدِّمة والنَّامية على حدٍّ سواء إلى إدراج تلك الشركات بشروط خاصَّة في البورصة، وذلك في حالة التوفيق بَيْنَ أوضاع تلك المؤسَّسات ومتطلبات البورصة، أو إنشاء أسواق ماليَّة خاصَّة لتموِّل تلك المشاريع بشروط تتوافق مع ما تملكه تلك المؤسَّسات من طبيعة خاصَّة، وتصبح في الوقت نَفْسه أحد مصادر تجميع الادخار الوطني.
ولعلَّ سلطنة عُمان من الدوَل التي أدركت مسألة أهميَّة توفير التمويل اللازم لتلك المؤسَّسات بشكلٍ يُواكِب طبيعتها التكوينيَّة، وعملت على استحداث جهات تمويليَّة، متعدِّدة في العقد الأخير، ورهنت تلك الجهات بالتطوُّر الذي تشهده احتياجات تلك المؤسَّسات. وفي خطوة ستنقل الواقع التمويلي للمؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة إلى مستقبَل أفضل، وقَّعت هيئة تنمية المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة مذكّرة تعاون مع بورصة مسقط بشأن إدراج المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة في السوق الثالثة، ثمَّ الثانوية بحسب اللوائح والأنظمة المعمول بها، وتوفير التأهيل اللازم والبيانات والمعلومات المتعلقة بالمؤسَّسات لإدراجها في البورصة، ما يعطي دفعة تمويليَّة مناسبة لتلك المؤسَّسات، كما من الممكن أنْ تفتح تلك الخطوة الطريق أمام استحداث بورصة خاصَّة بهذه المؤسَّسات، تكُونُ أكثر مرونة للتعاملة التمويلي معها.
إنَّ خطوة الإدراج تلك بجانب قدرتها على تمكين المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة والدفع بها لتكون مؤهلة لإدراجها في بورصة مسقط لتداول وشراء وبيع الأوراق والأداوت الماليَّة، إضافة إلى نشر ورفع مستوى الوعي لدى روَّاد الأعمال بأهميَّة طرح مؤسَّساتهم في سوق الأسهم وتعريفهم بالفرص المحتملة، تجعل من هذا التعاون الجديد فرصةً حقيقيَّة تحقق التقدُّم لروَّاد الأعمال، وتجعلهم أكثر قدرة على الاستفادة من التجارب والخبرات التي من شأنها إحداث تطوُّر شامل في مجال ريادة الأعمال، وهي خطوة تسعى لإيجاد بدائل أخرى من شأنها تمكين المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة وتطويرها والوصول بها إلى مراكز تنافسيَّة على مستوى العالم في شتَّى المجالات. إنَّ تلك المذكّرة سيكُونُ لها دَوْرٌ حقيقي إذا أحسَن روَّاد الأعمال الاستفادة منها، وإذا التزم الجميع بالمسار غير التقليدي الذي تفتح تلك المذكّرة آفاقه، فهي ترسم مسارًا أوسع لهذه المؤسَّسات على الصعيد المالي وممارسات الأعمال وجذب الاستثمارات إلى مؤسَّساتهم، كما تُعدُّ خطوة أوَّليَّة نَحْوَ وضْع خريطة طريق عامَّة للمؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة لتوضيح الخطوات والإجراءات التي يتمُّ اتِّباعها للوصول إلى إدراجها في البورصة والتنسيق مع المؤسَّسات الدوليَّة ذات طبيعة العمل المشتركة لتوفير الدراسات والأبحاث المتعلقة بإدراج منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة في البورصات والاستفادة من خبرات البورصات الأخرى في هذا المجال، ما سيُسهم في النهوض بريادة الأعمال ورفع مستوى مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلِّي، وتسريع عملية تحسين كافَّة الضوابط والقوانين التي تتعلق بالمؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة بشكلٍ أكثر مرونة، فالمنتظر من تلك المؤسَّسات أنْ تقود حركة النُّمو خلال المرحلة المقبلة في ظلِّ الاهتمام الذي تحظى به من قِبل الحكومة لتعزيز دَوْرِها الرياديِّ.