- ضمن كتب سلسلة أدب الرحلات


مسقط ـ «الوطن»:
صدر عن دار أكورا المغربية بالتعاون مع دار نثر العمانية وصالون دهاريز الفني في مسقط طبعة جديدة من كتاب (محيط كتمندو: رحلات في الهملايا) للشاعر والرحالة العُماني الراحل محمد الحارثي، وهو الكتاب الرحليّ الثاني في سلسلة كتب أدب الرحلات للحارثي الذي يعدّ أحد أهم كتب أدب الرحلات في العالم العربي. الكتاب الأول كان (عين وجناح: رحلات في الجزر العذراء، زنجبار، تايلاند، فيتنام، الأندلس والربع الخالي) الذي نال عنه جائزة ابن بطوطة للرحلة العربية عام 2003. أما كتابه الثالث والأخير فهو (فلفل أزرق) الذي صدر عن دار مسعى بعد وفاته.
يسرد الحارثي في هذا الكتاب حكاية ثلاث رحلات متباعدة قام بها للنيبال أعوام 2005، و2011، و2013م، حرص فيها على الإقامة في هذه الدولة الآسيوية فترات طويلة ليتخلص من (سطحية عين السائح العجول) كما قال في أحد حواراته، ولينظر إلى أعماق البلد ومكنونات شعبه ليُسقِط عليه خلاصة منظوره ورؤيته التي تتكشف له عبر المراقبة الدؤوب. وقد اتضح هذا جليًّا في تشبّعه بروح المكان النيبالي وروائحه وعاداته وتقاليده، الأمر الذي جعل كتابته أقرب إلى كتابة واحد من أهل المكان لا مجرد سائح أو مقيم. في إجابته عن سؤال حول ما يحرص على إبرازه في كتب الرحلات يقول الحارثي: (المسألة عائدة للمزاج والموقف والمكان والإمكان ونقيضه المُستحيل لخلق عجينة كتابة تختمر في رأسي لتظهر على تلك الشاكلة).
ويُضيف: (يكفي أن تجالس في مقهى ما شرائح وطبقات مختلفة من أبناء البلد، مثلما يتوجب عليك الجلوس مع السياح الذين بطريقتهم ينتقدون أو يمتدحون سلوكيات مواطني تلك البلاد، بعد ذلك تنضج طبخة الموقف الذي قد يكون ناقدًا أو مُمتدحًا سجايا سكان تلك البلاد).
ويكشف الحارثي في كتاب (حياتي قصيدة وددتُ لو أكتبها) وهو الكتاب الذي وثّق فوزه بجائزة الإنجاز الثقافي في عُمان لسنة 2014م أنه ليكتب (محيط كتمندو) قام بخمس رحلات للنيبال لا ثلاث فقط كما يظهر في الكتاب، مؤكدًا أن الرحلتين الأخريين اللتين لم تُذكرا في الكتاب، كانتا في صلب المشروع، لكنهما أقرب إلى زيارتين تفقديتين للموقع قبل البدء بالكتابة.
يوضح (الحارثي): مثل الفيلم بعد التحرير النهائي ورحلته طويلة مع قصّ المشاهد واللقطات، لترى على الشاشة فقط ما أراد المُخرج وطاقمه الفني مشاهدته بعد حذوفات هائلة لمشاهد بعضها عظيم القيمة، لكن حذفها ضروري لأسباب فنية غالبًا. في الكتابة الرحلية يحدث شيء من هذا القبيل، فالرحلتان الخبيئتان تندرجان في مُنفسَح ومُنغلَق (سينماتوغرافيا) الكِتاب الرَّحليّ بين لقطاته المقربة ولقطاته الشاسعة، إن صحَّت لي وجاهة استعارة سينمائية جاهلة.
ويؤكد عن فلسفته في كتابة أدب الرحلات: لم أنتهج الطريق السهل الذي اتبعه شعراء وكُتاب لهم محاولاتهم في أدب الرحلة، لكنهم يكتبون غالبًا عن رحلات إلى بلدان دُعُوا فيها إلى مهرجانات شعرية أو ثقافية أقاموا فيها بالكاد عشرة أيام، ليضموا مقالاتهم الصحفية عن هذه وتلك من البلاد في كتاب يُصنفه ناشرهم أدب رحلات،بالنسبة لي المسألة مختلفة في حَدية وجذرية النظر إليها، باعتبار الرحلة مَسعى يمكن مقاربته بالكلمات لابتداع وإضافة مُرتقى مُضاف لعتبات ابن بطوطة وابن جُبير الأندلسي وابن فضلان البغدادي والحسن الوزان (أو ليون الأفريقي، وفقًا لأسطرة أمين معلوف له في روايته)، استشهادًا ببعض الرحالة العرب. وكان الكتاب الرحليّ الأول للحارثي (عين وجناح) قد فاز بجائزة إبن بطوطة لأدب الرحلة عام 2003م، ونوّهت لجنة تحكيم الجائزة بكونه كتابًا يجمع أناقة اللغة وطرافتها وشاعريتها إلى دقة الملاحظة والحضور الطَّاغي للخبرة الروحية والعمليَّة بالمكان والشَّغف به، وبقصصه. أما عن تأثير هذا الكتاب على كتابه الثاني (محيط كتمندو) يقول إن (عين وجناح) كان بمثابة سقف توجب عليه تجاوزه، لذا حاول في (محيط كتمندو) تخليق شخصيات شبه (روائية) مكشوفة بالنسبة للقارئ. يشار إلى أن للأديب محمد الحارثي إضافة إلى كتبه الثلاثة في أدب الرحلات، له عدة دواوين شعرية هي :(عيون طوال النهار) و(كل ليلة وضُحاها)و (أبعد من زنجبار)، و(فسيفِساء حَواء) و(لعبة لا تمل) و(عودة للكتابة بقلم رصاص)، وقد جمع مختاراتٍ منها في كتاب مستقل أسماه (قارب الكلمات يرسو)، وله أيضًا رواية بعنوان (تنقيح المخطوطة)، وكتاب مقالات بعنوان (ورشة الماضي)، إضافة إلى تحقيقه الآثار الشعرية للشاعر العُماني الكبير أبي مُسْلم البهلاني، أما آخر كتبه التي صدرت في حياته فكان (الناقة العمياء) عام 2018.