على الرغم من اعتماد عدد كبير من النقاد العرب التسمية، أي “النقد الأسطوري”، Archetypal Criticism، إلا أني أشك في دقتها وشمولية دلالاتها. بَيْدَ أن الأسطورة والخرافة المتوارثة جيليًّا من الأسلاف تشكل جزءًا مُهمًّا من مهام الناقد الأدبي الذي يتبع هذه المدرسة، إذ إنه يصبُّ جهده في تتبع البقايا الراسبة في اللاوعي الجماعي؛ لأنها تشكل رسائل الأسلاف المشفرة في كريات دم الكاتب أو الشاعر الذي يعكسها صورًا وإيحاءات فنية عبر نصِّه الأدبي، كما هي عليه الحال لدينا في قصيدة بدر شاكر السياب، “أنشودة المطر”، إذ تجد ثمة أنماطًا نفسية جماعية متكررة تظهر على نحو إيحائي في استجابة الشاعر الرافديني للمطر، ناهيك عن الخوف المتوارث، أنماطًا سيكولوجية جماعية، يبعثها المطر، وهو الخوف المشفّر رسائلَ مختزنة في لا وعي الشاعر، مستفزًّا عواطف وذكريات النوع الرافديني الذي كان تاريخه، منذ أقدم العصور عبارة عن ملحمة الصراع بين الإنسان والماء، بين الإنسان والطوفانات أو الفيضانات: صراع الحياة والوجود.
هذه الأنماط النفسية الجماعية، المختزنة في اللاوعي الجماعي، كان قد رصدها عالم نفسي عملاق، اسمه كارل يونج Karl Hung بوصفها بقايا مترسبة في اللاوعي الجماعي، من الأسلاف، بشكل خرافات وأساطير وطقوس بعيدة عن منال المنطق العلمي.
إذًا، يباشر الناقد “الأسطوري”، إن صح التعبير، النص الأدبي باحثًا عن الخرافات والأساطير والموروثات الشعبية المتكررة عندما تطفو على أسطح النصوص الثقافية رموزًا وحكايات، وشخوص وأنواع بشرية نظرًا لأنها، بمجملها، تقرر شكل العمل الفني وتحدد وظيفته الاجتماعية، مع إشارة خاصة إلى اللاوعي الجماعي Collective Unconsciousness.
وقد برز العديد من أتباع هذه المدرسة “الأسطورية” في النقد، ومنهم الكاتبة “مود بودكن” Maud Bodkin التي ألفت كتابها المهم (أنماط أسطورية في الشعر الإنجليزي)، Archetypal Patterns in English Poetry، ناهيك عن إسهامات المفكر الكبير “نورثروب فراي” Frye.

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي