[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
تواصلت معنا الأسبوع الماضي شخصية رفيعة تعمل في إحدى السفارات الأجنبية في مسقط، متسائلة عن طبيعة التقارير التي تكتبها من الخارج مؤسسة حقوقية عمانية غير معترف بها، وقد وجدناه منزعجا تماما مما يكتب، وأكثر انزعاجه كون هذه المؤسسة تعتبر مصدرا اخباريا لمنظمة العفو الدولية ولكل المؤسسات الاقليمية والعالمية التي تعنى بحقوق الانسان وحرياته الاساسية، طالبا منا الكتابة عن حقوق الانسان في السلطنة، وتقديم مقترحات لمواجهة هذا التحدي المتزايد في ظل جمود الفكر عن انتاج حلول وطنية اي ليست سلطوية تأخذ بعين الاعتبار الواقع الجديد للحقوق والحريات الذي اصبح أكثر تطورا منذ عام 2011 رغم وجود ارهاصات معينة، وهى ارهاصات ليست وليدة السياسة وإنما التطبيق، وهذه الارهاصات هي التي تشكل مادة للنيل من منظومة الحقوق والحريات في بلادنا.
فعلا، تابعنا وتتبعنا تلك المؤسسة التي تعمل الكترونيا من الخارج، ووجدناها تركز على انتهاكات حقوق الانسان وحرياته الاساسية فقط وبصورة حادة جدا، ومنظور واحد فقط، ودون تدقيق في صحة المعلومات أو خلفياتها التي تردها من اشخاص لهم علاقة مباشرة بالقضية، فلو أخذنا تقريرها لعام 2014، فبعد تحليله اكتشفنا أنه يتناول قضايا معظمها واقعية، لكن بخلفيات تطرح مجموعة تساؤلات كبيرة، وفي حالات تثير الاستفزاز لعلمنا بالخلفيات كون أننا على الارض ونتعايش معها واقعيا، ونتفاعل مع ادق تفاصيلها، لماذا لأنها صيغت بروايات غير مستقلة أو محايدة، وبالتالي تراوحت تفاصيلها بين عدم الصحة وعدم الدقة رغم حقيقة القضية، كما أنها لا تفرق بين مسألتين في غاية الأهمية وهما، انتهاك مضامين الحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا وقانونيا أو انتهاك حقوق وحريات المتهم أو المعتقل، وهناك فرق فني مهم وكبير بين المسألتين، الاولى تعبر عن التوجه السياسي والثاني عن القصور الأدائي، والإغراق في المسألتين – بقصد أو دون قصد ـ يعطي تشويها كبيرا لمنظومة الحقوق في بلادنا، إذن، ماذا تحتاج بلادنا الآن لمواجهة هذا الإكراه المتصاعد؟ في البداية يمكن القول إن التساؤل لم يعد يطرح في بلادنا حول الاعتراف للمواطن بحقوق وحريات اساسية بعد أن تم اصدار النظام الأساسي للدولة عام 1996، حيث تم تضمينه مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات الفردية والجماعية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأخرى قد تم تضمينها في مجموعة قوانين عادية جاء الاعتراف بها لاحقا بعد صدور النظام الاساسي عام 1996، كحق الاضراب وحق النقابات .. الخ وإنما التساؤل يطرح الآن، حول ضمانة هذه الحقوق والحريات، بمعنى، كيف يمكن للمواطن أن يتمتع بحقوقه وحرياته المنصوص عليها دستوريا وقانونيا؟ والمواطن هنا يكون الطرف الأضعف في ظل علاقته بالسلطة الأقوى التي تملك كل وسائل القهر والقمع ليس في بلادنا فقط، وإنما كل الدول ما لم يكن هناك ضمانات تجعل السلطة تعمل ضمن الشرعية والمشروعية الدستورية والقانونية، إذن، ما هي الضمانات؟ وهل نجدها كاملة وفعالة في النظام الأساسي والقوانين الأخرى؟ لن نتحدث هنا عن الضمانات الموجودة اصلا في النظام الاساسي للدولة أو القوانين الأخرى، وإنما سوف نركز على ما يربط بموضوعنا مباشرة، والغائب دستوريا وقانونيا، من هنا يمكن القول صراحة، أن منظومة حقوق الانسان وحرياته الاساسية في اية دولة في العالم تطير بجناحين، وهما مؤسسات لحقوق الانسان حكومية والأخرى مستقلة، ودون هذه الثنائية لا يمكن أن تحلق حقوق الانسان بجناح واحد، كيف؟ من المتعارف (فنيا)عالميا، أن المنظمات الحكومية يكون جل همها مساعدة الأنظمة على تحسين وتعزيز الحقوق والحريات وتقديم النصح والتوجهات لها من أجل مواجهة أية إكراهات قبل أن تقع وحتى لا تقع، وكذلك نشر ثقافة حقوق الانسان وحرياته في المجتمع، أما المنظمات المستقلة، فهى قانونية اي أن الانظمة ينبغي أن تسمح بنشوئها من منظور التكامل لا التعارض، فهدفها يكون دائما الكشف عن الانتهاكات الاجرائية والحقوقية على السواء، اي أنها ترصد عملية تطبيق منظومة الحقوق والحريات وآلياتها المنصوص عليها اصلا في الدساتير والقوانين، وتكشف للسلطة وللمجتمع عن ماهية وحجم الانتهاكات المخالفة، وهذا ما ينقص منظومة حقوق الانسان وحرياته الاساسية العمانية، مما أوجد ذلك فراغا يمكن أن تتصدى له أية منظمة غير قانونية، لأن هناك فراغا في الساحة، وهذا الفراغ قد يشغل من الداخل أو الخارج.
من هنا نقترح إقامة منظمة لحقوق الإنسان مستقلة شريطة ان يديرها شخصيات وطنية ومتخصصة في حقوق الإنسان .. ويتوفر لها الاستقلالية الملتزمة بقضايا الوطن لا قضايا السلطة، وأن تتخذ من مبادى الشفافية البناءة والصراحة الموضوعية اساس عملها .. من أجل أن تكسب الصدقية والمصداقية داخليا وخارجيا .. وتكون مرجعية ذات ثقة للمنظمات الخارجية، وبهذا يمكن أن نسحب البساط من تحت أقدام اية منظمات غير قانونية تفتقد المهنية لغايات سياسية، ولماذا قضايا الوطن؟ لأن اشخاص السلطة قد يخطئون دون شك، لأنهم بشر، وبالتالي لابد من متابعة ورصد مدى احترامهم لمنظومة الحقوق والحريات وتطبيقاتها، والأهم، أنه في حالة أخطائهم نريد كسب المتضررين من ادائهم للوطن بدلا من أن يرتموا في احضان الخارج، ويكونوا ضد الوطن، وإذا كانت بلادنا محصنة بمنظومة تشريعات حديثة تحمي الحقوق والحريات، فلن يكون هناك أية هواجس من المنظمة المستقلة، لأن هذه المنظمة ستعمل من أجل احقاق الحقوق والحريات المنصوص عليها في النظام الاساسي والقوانين الدنيا الاخرى، وسيكون عملها بالتالي ضمن البيئة التشريعية، وكل تصرفاتها ستخضع لطائلة القانون العماني، كما أن كل السلطات المختلفة سوف يرتقي اداؤها نحو الالتزام بالاطار التشريعي للحقوق والحريات، لأنها سوف تعلم أن هناك جهة مستقلة وقانونية سوف تكشف انتهاكاتها إذا تجاوزت صلاحياتها القانونية، وبناء على كل الاعتبارات .. نرى من الأهمية الوطنية أن تحلق منظومة حقوق الانسان في بلادنا بجناحين لا بجناح واحد من أجل مواجهة إكراهات المرحلة الراهنة ، والمقبل أخطر .. ومن أجل نقل صورة واقعية عن تطبيقات حقوق الانسان وحرياته من منظورنا الوطني المستقل لا من منظور السلطة أو ما يتعارض معها مهما كانت الاسباب، وهذا المقترح نقدمه في اطار مراجعة المنظومة العمانية للحقوق وللحريات – من حيث الحقوق والحريات وضماناتها – لربما نكتشف كذلك ثغرات يجب ردمها سريعا.