[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]
” إن علينا جميعاً أن نواجه الإرهاب لأنه بمفهومه الحقيقي إعمال لشريعة الغاب ومنطق القوة، واستباحة للإنسان وحقوقه وحياته.. ولكن النفاق وازدواجية المكاييل وحضور الوجه والقناع بفم ولسان، منع ويمنع التوافق على مفهوم وتعريف وتحديد للإرهاب ومن ثم مكافحته، ويعزز وجود ازدواجيات بمقدار ما يوجد من مواجهات في مجالي"ممارسة الإرهاب ومكافحته...”
ـــــــــــــــــــــــــــ
عندما تنفلت الأنفس من عقالها، وتتجه نحو إشباع كل ما تنزِع إليه وتشتهيه ويروي حاجاتها وتطلعاتها وثاراتها دون قيد أو شرط ودون مراعاة لما ينتُج عن انتهاك حقوق الآخر واستباحة كل وجوده، وهي الأمارة بالسوء؛ وعندما تفعل كل ما يخطر لها على بال من دون رادع ذاتي من أي نوع، تصبح طبيعة بشرية بدائية في توحش.. ولا يوقفها عند حدًّ إلا ما يكبح جماحها ويلجمها بقوة الغَلَب ودوافع الخوف، في معادلة قوة حيال قوة. وفي أوضاع مثل هذه ينفلت الوحش البشري فينا لا يمنعه من القيام بالفعل المتوحش حسيب ولا رقيب، حيث الرادع هو القوة فقط والخوف من القوة، أي قهر بقهر وظلم بظلم، وطغيان بطغيان، وكل يديم تلك المعادلة ويطورها؟! تلك هي حال الحياة في الغابة التي خرج الإنسان منها بعد دهر من المعاناة والقهر، وتلك عودة إلى منطقها وقوانينها وبيئتها.. إذ ما الذي يحكم تصرفات أي شخص أو يلزمه بأخلاق وقيم ومعايير ومرجعيات ومنطق سليم، في حال غياب كل ما يؤسس لذلك؟! ولا يوجد خلاص من تلك الحالة إلا بالخروج على الطبائع البدائية ومنها، والتخلص من الانفلات الغرائزي الملازم للغابة والتوحش والدموية إلا بروادع ذاتية يبلورها الدين، واجتماعية يتعارف عليها المجتمع، وقانونية تطبقها سلطة بعدل.. أي بتوفر بيئة " نفسية وعقلية ووجدانية واجتماعية وحقوقية وروحية ومؤسساتية" متكاملة يتم الخضوع لما يمليه منطقُها الوضعي لكي يتوفر للبشر عيش كريم بأمن متبادل واعتماد متبادل، تعززهما ثقة متبادلة ووعي بالحاجة والضرورة لهذه البيئة حيث تكون حياة ويكون استقرار وتقدم وازدهار.. وتتعزز سلطة هذه البيئة من خلال أعراف وتقاليد إيجابية مرعية ومن مخزون تجارب فردية وجماعية، تشكل بمجملها سنن حياة وضوابط مدنية، فردية وجماعية ودولية، تساهم الشرائعُ والتشريعاتُ والمعارف والضرورات في ترسخها روحياً وسلوكياً بإعلاء شأن الأخلاق والقيم، وبتحديد متون الإباحة وهوامش المنع، ومنع الاستباحة.. لتكون هناك حقوق وحريات وممارسات في إطار العدل والمساواة. وفي هذا المناخ الصحي يتفاعل الواحد مع الآخر بالتعايش ويطوران بالتجربة الواعية لدروسها وعبرها ونتائجها أفراداً ومجتمعات وعلاقات، مما يغني مسارات التقدم ويؤسس لبيئات ومعطيات وحالات وحيوات مدنية حضارية تتدرج صعوداً حلزونياً، " لولبياً"، في معارج الرقي والسمو لتبلغ الإنساني، وتوسع أفقه وتطور مفاهيمه وتعمقها باستمرار.
وعند هذه الحدود يصبح عدو الإنسانية والحضارية والمدنية و.. و.. خارجياً وما هو بحكم الخارجي والخارج على البشر وعلى المجتمع الإنساني المتكامل وقواعده.. أي أنه الوحش والمتوحش والشرير، والبيئة الوحشية وما يعتمِل فيها، وكل ما هو في حكم ذلك مما يشكل خطراً على المجتمع والتقدم والحضارة والإنسانية، وحتى على الحياة ذاتها.. ويُعاد إنتاج الغابة ويستمر قانونها، وما هو في حكمها وعلى معادلاتها وقواعدها.. حيث لا يوجد ضمير يردع ولا عقل يشفع ولا قيود على الفعل تمنع من وحشية بشرية فريدة في ممارساتها ومواصفاتها.. وفي تلك البيئة الغابيَّة البدائية المتوحشة لا يوجد حاكم للسلوك يحاكم ويحاسب ويردع إلا القوة والخوف.. وفي مثل هذا الوضع يتخطى أشخاص حدود التصور في أدائهم الدموي المتوحش، وتملي عليهم أنفسهم الأمارة بالسوء وطبيعتهم الوحشية أوامرها من خلال الرغبة في إشباع النزوات والشهوات والعنتريات.. إلخ، والقيام بكل ما يراه الشخص المنفلت من كل قيد حقاً له، حتى إذا كان في ذلك حتف غيره.. وبهذا يسوغ لنفسه كل فعل شاذ، مقدِّماً ذرائع منها الدفاع عن النفس وتلبية حاجاتها بكل الوسائل والأساليب والأدوات والأفعال الممكنة، ووفق منطق لا يمكن أن يقبله الإنسان العاقل، وقد لا يخطر على بال أحد. عند هذا الحد لا قيمة لشيء ولا لقيمة، ولا احتكام إلا للقوة العمياء ومنطق الوحوش.. وهكذا تتجدد بيئة الغابة التي خرج منها الإنسان بعد أهوال إلى فضاء مختلف، يجعل الحياة المدنية ذاتها غابة، يحكمها قانون: " يدُكَ وما تعطيك، كيفما كان وأينما كان، وفي كل مجال، وعلى أية حال من الأحوال؟!".. فتجد القوة متجسدة قتلاً ورعباً وظلماً، والفوضى عاصفة بشرية هوجاء، والشهوة سلطة وسطوة، وجنون الغطرسة فناً وقانوناً، والمخالب الحديدية والأنياب النووية أدوات تحدد هوامش ومتوناً، وتجد الانفلات العقلي والعاطفي والانفعالي كل يختال بأزياء وألوان.. وتنتشر وحشية بشرية في المدن الغابات، والدول العدوانية، والمجتمعات الفاسدة.. وهي وحشية لا تُقارن أبداً بما تقوم به الوحوش المفترسة من فعل دموي طلباً لشبع وري، أو إشباعاً لشهوة، وتلبية لغريزة تنطوي على دوافع منها المتعة ومنها الرغبة في حفظ النوع والمحافظة على البقاء. فالوحشية البشرية أفظع وأعتى.. وهي اليوم مموهة بأزياء وألوان وبريق، تستبيح بمقدار ما تملك من قوة وخبث ودهاء وسلوك وسلاح، غير محكومة بدينٍ أو شرع أو قانون أو قيم أو روادع من أي نوع.. القوة وحدها في الدول المفترسة تحدد المفاهيم وتصدر الأحكام، وتقرر المواقف، وتستخدم الأدوات والأساليب لتحقيق الأهداف والغايات والمصالح.. وما تفعله في سبيل الوصول إلى الغايات مما يحيط بالفعل الدموي القاتل ويسوِّقه نفاق سياسي واجتماعي يجدد الصراعات والحروب ولا ينهيها.
وحرب الدول والمجتمعات والتنظيمات المفترسة هذه الأيام تستهدِف العروبة والإسلام بتمويه يرتدي أثواباً منها محاربة الإرهاب دفاعاً عنهما، وممارسة الإرهاب ذاته، بمخالب وأنياب، لتشويههما وتدميرهما.
إن علينا جميعاً أن نواجه الإرهاب لأنه بمفهومه الحقيقي إعمال لشريعة الغاب ومنطق القوة، واستباحة للإنسان وحقوقه وحياته.. ولكن النفاق وازدواجية المكاييل وحضور الوجه والقناع بفم ولسان، منع ويمنع التوافق على مفهوم وتعريف وتحديد للإرهاب ومن ثم مكافحته، ويعزز وجود ازدواجيات بمقدار ما يوجد من مواجهات في مجالي"ممارسة الإرهاب ومكافحته وافتراس الآخ تحت راياته".. حتى الجماعت التي تُصنف إرهابية بقرارات سياسية محكومة بازدواجية معايير ونفاق مستحكِم يدخلها في ذلك الباب أو يخرجها منه بقوة القوي ومصلحة المستثمرين في الإرهاب وولاء إرهابيين لأصحاب نفوذ وقرار سياسيين.. وإذا كان هذا هو الشأن مع " إرهاب الأفراد والجماعات والتنظيمات..إلخ، الموصوف بالقتل والنهب والسلب والاغتصاب والابتزاز والترويع، وبالخروج على الدين والقانون والعقل والخُلُق.. إلخ"، فماذا عن إرهاب الدول المعروف المصوف بالقتل والعدوان والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والاستعمار والاحتلال والحصار والتجويع والتركيع.. إلخ، وهو إرهاب دول وتحالفات وعنصريات؟! وماذا عن إرهاب الكبار ودعمهم للإرهاب واستثمارهم فيه وتوظيفه لتحقيق أهداف وحماية مصالح وتدمير دول ومجتمعات، وتشويع دين وأمة وثقافة وحضارة؟! وماذا عن إرهاب الإمبراطوريات والتحالفات والحكومات التي تقتل بالجملة، وتنهب بالجملة، وتعتدي بالجملة، وتخرج على الشرائع الإلاهية والأديان والقوانين الدولية والمعايير الإنسانية بالجملة أيضاً.؟!.. وما حكمنا عليها وهي العدوان والوحشية والنفاق والازدواجية والكراهية، والمكر والغدر والافتراء.. وما شئت من صفات ومواصفات تجعلها في البدائية التوحشية الدموية على الرغم من ارتدائها الأزياء العصرية وتذرعها بحداثة هي تحديث الإجرام والإرهاب وقانون الغاب؟! وهي ترتكب أفظع الجرائم وأبشع أنوع القتل وتدمر شعوباً ودولاً تحت عناوين كثيرة على رأسها نشر الديمقراطية وحماية الأقلية ومكافحة الإرهاب؟! وما هو حكمنا على أصحاب الوجهين الذين يخوضون حرباً في بلد ضد "الإرهاب" ويخوضونها فيه مع الإرهاب؟! هل نسميه إرهاب ذا الوجهين وما حكمه؟! وما هو حكمنا على إرهاب ذي وجوه، وكيف نحارب هذا النوع من الإرهاب الذي هو في معظمه وحقيقة أمره "إرهاب دولة، وحواضن دولية للإرهاب" ويمارس ضد عقائد وشعوب ودول، وهو أيضاً استثمار في الإرهاب في حالات من أجل تحقيق أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية وعقائدية وثقافية؟! وهو في حالة استهدافه للإسلام، وللمسلمين في النتيجة، إرهابٌ بكل المفاهيم والمواصفات ضد دين إلهي، وقيم خلقية وإنسانية وحضارية، وضد رسالة سماوية هي رحمة للعالمين وتتمِّم مكارم الأخلاق؟! إنه عدوان مكشوف ومبطن من دول هي العدوان والاستعمار من أجل إضعاف دول وشعوب وتمزيقها وإفنائها حتى لا تطالب بحقوقها، ولا تحرر أرضها المحتلة وإرادتها وقرارها المستلبين، لكي تبقى قيد التخلف وتُعاد إليه كلما تقدمت، لا تحقق تقدماً يحميها ويبقيها ولا نهضة من نوع، ولا خروجاً من حالة تبعية مزمنة وولاء أعمى لمن يسلبها كل شيء ويدمرها بكل طريقة؟!
أفلا ينبغي مواجهة أسئلة من هذا النوع في وقتنا الراهن الذي أصبحت فيه إمبراطورية الإرهاب "الأميركية ـ الصهيونية" توظف دولاً، إضافة إلى إرهاب تنظيمات ومنظمات وأفراد للقيام بأعمال تخريبية وتدميرية إرهابية بكل المقاييس والنتائج، باسم مكافحة الإرهاب في دول ومجتمعات عربية وإسلامية على الخصوص تستهدفها عقيدة ووجوداً، وهي حالات صارخة، معروفة ومكشوفة؟! الأمر يحتاج إلى جهد ثقافي ووعي معرفي ولكنه يحتاج قبل كل شيء إلى إعمال المنطق وتدبر العقل وتحكيمه فيما يُعْمًل مما يعقل ولا يعقل، وإلى أيمان صحيح راسخ فاعل متفاعل مع المعطيات، وإلى استقطاب كفاءات وضمائر، وتوظيف طاقات بشرية حية.. ضد الإرهاب بكل صوره وأنواعه وممارسيه وصناعه وأتباعه، وضد القتل بكل أشكاله.. فالقتل هو القتل مهما كان الأسلوب والأداة والموقف والموقع.. لا يوجد قتل جيد وقتل سيىء، ولا قتل مقبول وآخر غير مقبول، ولا قتل رحيم وآخر قاسٍ فظيع رجيم.. القتل هو القتل: حرقاً أو خنقاً أو شنقاً أو تقطيعاً أو ذبحاً أو إغراقاً أو تسميماً، بالسيف أم بالرصاص أم بقنابل النابالم والصواريخ العابرة للقارات وبالطائرات، أم بالقنابل النووية والغواصات البحرية، أو بغير ذلك.. القتل هو القتل.. والتعذيب هو التعذيب سواء أكان في "غوانتنامو" أو في "أبو غريب" أو " باغرام" أو في سجون الصهاينة، أو في السجون الطيارة وفي البلدان التي تمارِس التعذيب بالوكالة، أو في سجون داعش والنصرة والمنظمات والفصائل المذهبية من كل صنف في عصر الفتنة الدينية التي تجتاح بلداناً عربية وإسلامية..!! القتل هو القتل والتعذيب هو التعذيب.
إن الإسلام اليوم يتعرض أكثر من أي وقت مضى لإرهاب ذي شُعَب يستهدفه بكل الوسائل والسبل والأدوات، والهدف هو القتل المادي لأتباعه والقتل المعنوي ـ المفاهيمي ـ الروحي له..".. قتل الرسالة وقيمها، وقتل رحمتها وحقيقتها، وقتل نصوصها بالتشويش والتشويه، وقتل رموزها الحية، وكل ما يحييها ويبقيها نوراً وهدى للعالمين.". والهجوم الضاري على الإسلام أصبح لا يُطاق، وهو يستهدفه، وتساهم فيه دول وتنظيمات وشرائح اجتماعية عربية وإسلامية فيها المتطرف ومن هو ضد التطرف.. من خلال ما يسمى التمسك بالدين أو الدفاع عنه.. ويتم ذلك بأساليب هي في النتيجة "الضرر والتشويه والتمزيق والإضعاف.."، ويساهم في الهجوم الضاري منغمسون كثر، يعملون تحت راية "الفهم الصحيح له والتطبيق لأحكامه؟! "، وينعتون الآخرين بسوء الفهم وسوء التفسير والتطبيق، وبتشويه الإسلام نصاً وروحاً.. وهذا الهجوم يقع من بعض الأطراف العربية والإسلامية بتبعية دونية، وممالأة ولائية، وخوف من تهم وعقوبات أو تزلفاً واستجداء لحمايات.. وهو في أسبابه العميقة عداء للعروبة والإسلام يشق طريقه إلى سلطات وأدوات عربية وإسلامية قاصرة أو جاهلة أو طاغية، من خلال علاقات وتحالفات ومصالح أدت إلى وضع " الذات السلطوية أو الحزبية أو المذهبية أو الفردية.." فوق العروبة وفوق الإسلام، فقسَّمت وقزَّمت وأضعفت، وأدت إلى وضع الكل في قبضة عدو الدين والأمة، وتحت تصرف عملاء وأدوات قد يرتفع شأن بعضهم ليصبح في قمة هرم سلطة زمنية أو روحية، لكنه في حقيقة أمره ووضعه لا يعدو أن يكون تابعاً أو عميلاً أو ممن يبيعون دينهم ووطنهم وأمتهم لمن يحميهم ويبقيهم ويرفع شأنهم فوق دينهم وأمتهم ووطنهم.؟!
إن قسماً كبيراً من هؤلاء يعيش وهم المعرفة ووهم السلطة ووهم الحرية والسيادة وحتى وهم التديّن، وفيهم من يدرك ما آل إليه حاله وحال غيره من ضعف ولكنه لا يستطيع الخروج من تلك الحالة ليرى نور الحقيقة فيهرب إلى الأمام، ويقوم بما يؤمَر به حتى لو طلب منه أن يأكل لحمه حياً ولحم أخيه ميتاً.!؟! جهل العقيدة والتاريخ والتراث، وضعف الإيمان بالله وبالوطن والشعب، وسطحية الذات بل تفاهتها لدى بشر من هذا النوع.. هي الأسباب التي جعلتهم وتجعلهم يتطاولون على الآخرين بسطوة وسلطة وسوط، ويصبحون نقمة على الدين والأمة.. إن تطاولهم بعنجهية وعجزهم بجهالة عن رؤية قِزَمِ قاماتهم، هو ما أعلى لهم مراتب، ورفع بهم منطق الامَّعات الطامعين الظالمين المدمرين لشعوبهم وحقيقة دينهم، لأنهم في حقيقتهم المطأطين الرؤوس ذلة وخضوعاً أمام من يعادي أمتهم ودينهم وشعوبهم.. يوالون من نهاهم الله عن موالاتهم بنص صريح هو قوله تعالى: ( يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘبَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿٥١،﴾ سورة المائدة وقوله: ( ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ.) ـ ( 28 ) سورة آل عمران. ولا عذر لهم أو تسويغ مقبول يبنى على ( .. إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ) لأنهم إنما يوالونهم احتماء بهم من شعبهم وإخوانهم في الدين، وعلى حساب دينهم، ليبقوا في موقع المتسلط الظالم.؟!
ولا تقل شراسة أعداء العروبة والإسلام التاريخيين، من الصهاينة والأميركيين والمستَعمِرين الطامعين بالأرض وخيراتها والعاملين على القضاء على الدين والأمة، عن شراسة من يزجونهم في الحرب على شعوبهم وأوطانهم.. وأولئك مكشوفة أهدافهم مهما تلونوا وتنوعت ذرائعهم..
ومن يتابع تعليقات ومقالات وتصريحات كثيرة، لمن يسمون مثقفين ومحللين سياسيين وناشطين عرباً من أهل الكتاب ومسلمين يوالونهم أكثر مما يوالون دينهم، ويقلِّب الأمر على وجوهه من خلال ما يُقال، وما يُتَّخذ من مواقف ويُشَن من حملات تتصل بهذا الشأن، ويفعل ذلك بقصد التدبر والتعمق في الفهم ومعرفة الغايات البعيدة، يتبيّن أن الحملة على العروبة والإسلام منظمة ومدبرة وممولة، وتشارك فيها جهات عدة، وتتطور إلى ممارسات عدائية وفتن من كل لون، ليُقتل باسمها وتحت راياتها عرب ومسلمون، ولتُغيَّب روحُ الإسلام ويُشوَّه، بأساليب شتى. وحين يتابع المرء ما يُنشر من ذلك في وسائل الاتصال الاجتماعي " تويتر وفيسبوك" على الخصوص، يجد انحطاطاً في التعبير، وحقداً معتَّقاً كريهاً ينز من الكلمات، وممارسة معلَنة بوقاحة نادرة للتشهير بالإسلام، وربطاً له بالإرهاب، وإساءة متعمَّدة ومستمرة لتعاليمه وقيمه ورموزه.. ويجد قراءات قاصرة عن الفهم لنصوصه وفاجرة في التجني عليه.. وهجوماً متواتراً لا يعبر إلا عن جهل وكراهية لا نظير لهما وعن عدوانية راسخة.. وإذ يتواكب هذا مع حرب وحشية في بلدان عربية وإسلامية منها " العراق وسورية وليبيا واليمن وأفغانستان والصومال.. ومع مذابح تستهدف المسلمين في جنوب شرق آسيا وفي بلدان ومناطق من إفريقيا، وملاحقات وإساءات ونشر رُهاب "الإسلمو فوبيا" في أوربا وأميركا"، حيث يتخلل ذلك فظاعات وأشكال من الإرهاب المسكوت عنه، وتقوم به أو تأتمر بأوامر للقيام به "جماعات متطرفة إسلامية وغير إسلامية، وجيوشٌ ودول إسلامية وغير إسلامية".. ويدقق فيما ينتج عن هذه الأفعال من ردود أفعال غير متزنة ولا متوازنة، ترتد بدورهها على الإسلام والمسلمين تشويهاً وتدميراً وقتلاً للأبرياء في أغلب الحالات، كما ترتد على البلدان الإسلامية تمزيقاً وتدميراً ونشراً للتخلف ولأنواع من التوحش.. من يفعل ذلك يدرك أن أبعاد القضية ومراميها أكثر بكثير من مجرد الكلام حولها، ومن التحليل السياسي لبعض جوانبها.. وأن الإسلام هو المستهدَف ومنذ زمن.. ويكتشف أنه لا يُجدي مع هذا التوجه الكاسح تعبير وشرح وتفسير وبرهان وبيان لحقيقة أن هناك بشراً من كل دين ومذهب وجنس ولون وقومية ووطن و.. إلخ، يساهمون في تشويه الأديان وقتل الإنسان وتدمير القيم وإشعال الحروب المتوحشة وممارسة الإرهاب الفظيع المُدان.. في أنحاء المعمورة كلها، لكنهم لا يُتَّهمون ولا تتهم عقيدتهم كما هو الحال مع الإسلام والمسلمين. والنتائج المتوقعة من كل ذلك التعامي والصمم والتواطؤ هي استشراء الشر، وانتشار العنف، وتجذّر الإرهاب، والتحول من الثقة والاحترام المتبادلين اللذين ينبغي أن يحكما علاقات الشعوب والدول، إلى انعدام الثقة والاحترام وانتشار العنف وسيادة منطق القوة، واللجوء إليها في حسم الصراعات وحل الخلافات.
ولكن المسلم صحيح الإيمان لا يواجه إساءات لدينه ولرسوله بإساءات للأديان الإلهية والرسل ولا للصحيح من الكتب المقدسة.. ذلك لأن من أركان دينه أن يؤمن بالله وكتبه ورسله، وقد جاء في خواتيم سورة البقرة من القرآن الكريم: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَاَنَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة: 285. وقد نُهي المسلمون عن سب دين الكفار، فكيف بهم يسبون معتقد أهل الكتاب، حيث جاء النهي التزاماً وتأدباً ودفعاً لأية إساءة لله ورسوله وللدين وقيمه بنص قرآني: (وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ. (سورة الأنعام الآية 108).. أفلا يجب أن يتدبر أولوا العقل والفهم والإيمان والأخلاق والثقافة والسياسة، وأصحاب الحس السليم والمسؤولية الإنسانية.. في ذلك كله، وأن يقفوا ضد كل أشكال الإرهاب والاستفزاز والرّهاب والعنصرية والعدوان والتعذيب والقتل، لكي لا يستنفروا الناس ضد الناس، وحتى لا يصبح العالم غابة تفرض قوانيها ومعادلاتها وأساليبها من جديد، فتتجدد وحشية وبدائية تجاوزهما الإنسان بعد معاناة طويلة دهراً بعد دهر وقهراً بعد قهر؟!
إن سؤال المستهدَفين في الدنيا والدين، ينبغي أن يقلق كل ذي عقل وضمير وقيم ودين.