قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) .. رواه أحمد، والترمذي.
على مرَّ الزمان مالت فِطرة الإنسان إلى العيش في الجماعات، لتبادل المنافع وقضاء المصالح، وربما حتى تمضية وقت فراغ، ومشاركة الأفراح والأتراح، أو البحث عن الأنس والألفة، والرفقة والمتعة.
ولكن يخطئ الإنسان في بعض الأحيان، عندما يجعل حاجته الطبيعية إلى الرفقة، دافعًا إلى مرافقة أشخاص غير ذي دين وخُلُق، فيكونون رِفقة السوء، الساحبة إلى عمل السوء، والعاقل من يلجأ إلى صُحبة الخير، فيكونون عونًا له على الخير.
واعلم يا صديقي أن الرفيق إما أن يكون صاحبًا لك في طريق الخير، أو ساحبًا لك إلى طريق الشر، فالطريق الذي تصل له في النهاية، يعتمد على اختيار من تصاحب في البداية.
بعض الشباب ضاعوا لما اندرجوا إلى رفقة السوء، فكان الجزاء فساد دينهم ودنياهم، تركوا صلاتهم، وقرآنهم، والطاعات، واتبعوا شهواتهم لما صُغِّر في أعينهم عمل المنكرات، خرجوا من دور العفة والطهارة وحسن العمل، إلى دور الدَّنس والآثام وسيء الأعمال، شرِبوا المخدرات وسَرقوا أو سُجنوا أو حتى قُتِلوا. وكم شابًّا نظيفًا عرفته سُجن أو قُتل لما رافق الأشرار؟!، سمعنا قصصًا في ذلك.
يسحبك صاحب السوء من عِلمك، وعَملك، وأحبائك، وذويك، ومجتمعك، فصديق السوء كأي إنسان يبحث عن الرِفقة والصُحبة، ولكن لفعل المعاصي والمفسدات، وليس للأمر بالطاعات والنهي عن المُنكرات.
يسحبك الضال لتكون رفيقاً له، فتُصبِح أسيرًا لأفكاره المريضة، وشريكًا في تنفيذ آثامه الدنيوية، فيُزَّين لك كل خطأ، ويهون عليك ترك كل طاعة، ويُصغر في عينيك كل عزيز، لأن هذا هو دربه، وهذه هي نظرته للحياة.
وكم من صاحبٍـ أصيل المعدن، كريم الخلق ـ يسحب صاحبه إلى طريق الخير وبر الأمان في الدنيا الآخرة، فيكون عونًا له على الطاعات، وسندًا له في الأزمات، ودافعًا له في درب النجاح، وعقبًة له عن درب الفشل.
الإنسان الفَطِن يحب أن ينتقي أصحابه ويختارهم، فيختبر فيهم التمسُك بالدين الحنيف، والمبادئ والعادات الحميدة، فإذا وجد في رفيقه تلك الصفات اعتمده صديقًا، وإلا فلا، وألف لا.
ولتعلم بأن الرحلة ليست قصيرة، وأن الرفيق رفيق عمر وليس رفيق يوم، وأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بصُحبة الأخيار، ونهانا عن مطاوعة الأشرار.
قال تعالى:(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)(الكهف ـ 28).
فابدأ يا عزيزي من اليوم، في سلوك درب حُسن الاختيار، وضع أصدقاء الطريق في الاختبار، وغربِل كل من يجلب عليك نقصًا في دينك أو دنياك، فدع عنك كل من يصحبُك إلى طريق السوء، وأقطع عنك كل من أدت رفقته إلى معصية، وابتعد عن كل من يُهوِّن عليه اقتراف الآثام، وإلا جاء اليوم الذي تعرف ما تهاونت فيه، يوم لا ينفع الندم.
قال تعالى:(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا).(الفرقان27 ـ 29).



* حسين بن علي السرحاني
كاتب عماني
hussein_alsarhani@