تشهد مدينة شرم الشيخ الساحليَّة المصريَّة حدثًا عالميًّا يترقبه العالم أجمع، ويترقبه كافَّة المعنيين بالمناخ على كوكب الأرض، حيث ينطلق اليوم المؤتمر السابع والعشرون للأطراف في اتفاقيَّة الأُمم المُتَّحدة الإطاريَّة بشأن تغيُّر المناخ (COP27)، وذلك حتى الـ18 من نوفمبر الجاري، حيث سيجتمع رؤساء الدول والوزراء والمفاوضون، جنبًا إلى جنب مع نشطاء في مجال المناخ ورؤساء البلديات ومُمثِّلي المُجتمع المدني ورؤساء تنفيذيين لاتِّخاذ إجراءات بشأن مجموعة من القضايا الحاسمة لمعالجة حالة الطوارئ المناخيَّة، حيث يناقش المُجتمعون في المدينة الساحليَّة المصريَّة عددًا من القضايا المناخيَّة المهمَّة، على رأسها الحدُّ العاجل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبناء القدرة على الصمود، والتكيُّف مع الآثار الحتميَّة لتغيُّر المناخ، وصولًا إلى الوفاء بالتزامات تمويل العمل المناخي في البلدان النامية، التي أضحت الأشد تضررًا من جرَّاء استمرار الدوَل الصناعيَّة الكبرى في سياستها البيئيَّة الكارثيَّة، وعدم الالتزام بتعهدتها في القِمم السابقة.
وتُشكِّل القمَّة فرصةً مواتية للدوَل النامية، خصوصًا الدوَل الإفريقيَّة منها، حيث يتعرض الملايين في البلدان الأكثر مديونيَّة لموجات من الفيضانات العارمة وحرائق الغابات والحرِّ الشديدة، التي تؤثِّر ليس فقط على المناخ في هذه الدوَل، لكنَّ لها تأثيرات اقتصاديَّة كبرى على تلك الدوَل. فنتيجة تلك التغيُّرات البيئيَّة التي تشهدها تأثُّر خطَّة معالجة الدُّيون السياديَّة في تلك الدوَل الفقيرة، فالدُّيون سوف تحقق فوائد بمعدَّل ثلاثة أضعاف، ما سيؤثِّر على قُدرتها على الوفاء، لذا ستحرص القمَّة المسمَّاة بـ(قمَّة إفريقيا) على إطلاق برامج مناخيَّة تُعزِّز المرونة الاقتصاديَّة لتلك البلدان، وبالتالي قدرتها على خدمة الدُّيون في المستقبل. فالقمَّة ستُناقش تخفيف أعباء الدُّيون المستحقَّة على (58) دولةً نامية معظمها في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، والذي يمكن أنْ يوفِّر تمويلًا حكوميًّا يبلغ (105) مليارات دولار لدعم جهود محاربة ظاهرة التغيُّر المناخي.
إنَّ تحقيق ذلك على أرض الواقع لا يُعدُّ مساعدة للدوَل النامية، لكنَّه سيكُونُ له دَوْرٌ فعَّال في تقليل المخاطر البيئيَّة، فتحقيق انخفاض على مستوى فوائد تلك الدوَل التي تُعدُّ المُتضرِّرَ الأكبر من الأزمات المناخيَّة العالميَّة، يأتي بحلول تسمح بتدفُّق هذه الموارد المتوافرة من خطوة تخفيف أعباء الدُّيون في العمل على بناء قدرات بيئيَّة تحدُّ من تلك الكوارث البيئيَّة العالميَّة. ورغم الزخم الذي سيشهده المؤتمر، والحضور القوي من قادة الدوَل البالغ عددها حوالي (197) دولة ووممثِّليها، إلَّا أنَّ النَّبرة التشاؤميَّة لا تزال تسيطر على تصريحات الأمين العام للأُمم المُتَّحدة أنطونيو جوتيريش، حيث أكَّد أنَّ قادة وزعماء العالم يفتقدون للرؤى حيال مواجهة تداعيات ظاهرة التغيُّر المناخي والتي وصفها بصراع (حياة أو موت)، وقال إنَّ الدوَل الصناعيَّة الكبرى في حاجة إلى تسريع وفائها بالتزاماتها الجماعيَّة بشكلٍ كاملٍ بما في ذلك التعهد بدفع قرابة مئة مليار دولار سنويًّا لدعم جهود مكافحة التغيُّر المناخي في البلدان النامية، مشيرًا إلى أنَّ تحرُّكات الدوَل الصناعيَّة الأكثر ثراء وأيضًا الدوَل الصناعيَّة الناشئة “لا تضيف شيئًا”، محذِّرًا من أنَّ “التعهدات والسياسات الحاليَّة تغلق الباب أمام فُرص الحدِّ من ارتفاع درجة إلى درجتين مئويتين، فضلًا عن تحقيق هدف الحدِّ من الاحترار العالمي بحدود 1.5 درجة.”
إنَّ تلك الدوَل الغنيَّة الصناعيَّة، التي كانت ولا تزال سببًا رئيسًا في التغيُّر المناخي الذي يشهده العالم، أضحت ملتزمة بشكلٍ أخلاقي تجاه الدوَل النامية والفقيرة، خصوصًا في أعقاب الفيضانات المُدمِّرة وموجات الحرِّ والجفاف غير المسبوقة التي ضربت العديد من دوَل العالم، وعليها الإيفاء بالتزامتها السابقة، وتجديد التعهد بدفع الأموال اللازمة الرامية إلى تعويض الخسائر الناجمة عن الانبعاثات المسبِّبة لظاهرة الاحتباس الحراري، التي تُعدُّ تلك الدوَل الصناعيَّة المُتسبِّب الأكبر لها، وسيكُونُ هذا الطرح أحَدَ أهمِّ القضايا الرئيسة التي تدُور المفاوضات بشأنه خلال قمَّة المناخ في شرم الشيخ المصريَّة، فرغم تعهدات الدوَل الصناعيَّة بتعويض الدوَل المتأثرة بتبعات تغيُّر المناخ، خلال قمَّة المناخ عام 2013 في بولندا، إلَّا أنَّ التقدُّم في هذا المسار لا يزال بطيئًا، لذلك ستكُونُ مصداقيَّة الكبار في قمَّة إفريقيا هذه على المحك.