نماذج عديدة ومختلفة من الأمثلة التي تؤكد أنه وبالرغم من وجود قوانين دولية ومؤسسات قانونية أممية، فإن قانون القوة وسلطة القوى الكبرى المهيمنة على رقعة الشطرنج العالمية هي القوانين النافذة فوق غيرها من القوانين، هي القوانين التي تسري على بقية دول العالم بغضِّ النظر عن السيادة الوطنية. صحيح لا أحد يستطيع أن ينفي استقلال وسيادة الدول في صناعة تشريعاتها، إلا أن تلك التشريعات مرتبطة باتفاقيات ومعاهدات دولية، وهذه الأخيرة في الغالب صناعة الدول الكبرى والمهيمنة على النظام القانوني الدولي، وفي أحيان كثيرة فإن الدول ونتيجة العديد من الضغوطات توافق على الانضمام إلى هذه الاتفاقيات.
هذه الفكرة التاريخية ليست وليدة الأمم والقوى الراهنة، فالتاريخ يثبت وبما لا يدع مجالا للشك وأقولها ـ للأسف الشديد ـ إنها فكرة متجددة منذ الإنسان الأول على هذه الأرض، إن القانون هو صناعة الأقوياء والمسيطرين، يكتبه المنتصر والسيِّد، تكتبه الدول الكبرى والقوى العالمية التي تمتلك أدوات القوة ووسائل السيطرة على النظام العالمي القائم، وفي وقتنا الراهن هناك من النماذج الحاضرة بأدلَّتها المستمرة مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حاليا على ذلك.
وليس أصدق مثال على تلك السيطرة الاستثنائية المتفردة على المستوى الدولي، والقوة القاهرة العابرة للحدود الوطنية، من النموذج الأميركي القائم على فرض “العقوبات الدولية خارج إطار القانون الدولي ومؤسساته الأممية كهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل أو الجنائية الدولية. وبمعنى آخر تقوم الولايات المتحدة الأميركية ومنذ اعتلائها سلم القيادة المركزية الدولية في تسعينيات القرن العشرين بالتدخل والضغط على تلك المؤسسات القانونية الدولية لفرض عقوبات على من تشاء من دول العالم”(1)
في المقابل يبرز لنا المثال الروسي المعاصر على التدخل في سيادة الدول المستقلة دون أن يكون لمؤسسات القانون الدولي أي قدرة على كبح جماح هذه القوة الكبرى، والأمثلة الدالة على ذلك عديدة ومختلفة، وهنا نسأل: أين القانون الدولي ومؤسساته ذات الصلة بحفظ الأمن والقانون وحقوق المجتمع الدولي والدول ذات السيادة مثل مجلس الأمن الدولي؟ ألم تتحول إلى مؤسسات عاجزة أمام تصرفات وسلوكيات هذه الدول الكبرى؟ ألم يتحول القانون إلى أداة للتنكيل أو الضغط على دول معينة لتحقيق غايات وأهداف الدول الكبرى؟ في المقابل إن هذا القانون لا يمكن أن يطبق بحال من الأحوال للحيلولة دون مخالفة تلك الدول الكبرى للقانون.
هكذا يتأكد لنا عدم احترام العديد من القوانين الدولية من قبل الدول الكبرى أو العظمى، وبسبب ذلك أصبح الجميع لا يؤمن بإمكانية أن يكون لتلك القوانين وتلك المؤسسات القانونية الدولية دور في حمايتها أو إعادة الحقوق المسلوبة منها، خصوصا الأمم المتحدة، ومن أجل ذلك نجد العديد من المساعي للحصول على الأسلحة النووية من قبل بعض الدول مثل كوريا الشمالية أو الانضمام إلى تحالفات أمنية أو عسكرية ثنائية لحمايتها رغم عدم ضمان هذا النوع من الاتفاقيات كذلك، الأمر الذي دفع البعض منها إلى زيادة ترسانتها من الأسلحة العسكرية، الأمر الذي ينعكس بدوره سلبا على الأمن والاستقرار الدوليين.
ختاما، يجب أن نؤكد أن احترام القانون الدولي هو الحل لفرض الأمن والسلام، وليس التشكك في قدرة تلك القوانين على تحقيق ذلك إلا حقيقة مؤلمة وغير مرغوبة تثبتها العديد من الأمثلة الحاضرة مثل العقوبات الدولية والتدخل في سيادة الدول وعدم القدرة على كبح جماح الدول الساعية للحصول على أسلحة نووية.
ـ المراجع:
1 ـ راجع محمد بن سعيد الفطيسي، الدول الكبرى وتحديات العدالة الدولية ” العقوبات الدولية أنموذجا”، صحيفة الوطن العمانية، تاريخ النشر 12/ نوفمبر/ 2018م، على الرابط: https://alwatan.com/details/295873


محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @