استمتعت بقراءة كتاب “في كبد الزلزال” لمؤلفه الدكتور محمد بشار الفيضي عن مؤسسة البصائر، ويؤرخ الكتاب لمرحلة حساسة من تاريخ العراق. ويمكن القول إن الكاتب قد نجح في جذب القارئ بقوة لمتابعة السرد الدقيق والأمين للوقائع والأحداث، ويحرص الفيضي على توثيق كل ما يرى أنه مفيد للتاريخ، وبما أنه من سكنة مدينة الموصل، وهي المدينة التي دخلتها القوات الأميركية بعد بضعة أيام من دخول بغداد والمدن الأخرى، فإنه يوثق للكثير من الوقائع التي حصلت في تلك الأيام، من بينها الفوضى وبعض مظاهر النهب والسلب التي شهدتها بعض الأحياء والمناطق وطالت الدوائر والمؤسسات والمعسكرات المنتشرة قرب المدينة، ليتوقف عند حدث في غاية الأهمية، عندما حصل صدام بين المدنيين في الموصل والقوات الأميركية، بدأت الأحداث بعد أن تجمهر عدد كبير من أبناء المدينة عند مقر محافظة الموصل، وهتفوا ضد القوات المحتلة التي فتحت إحدى دباباتها النار على المدنيين وسقط عدد غير قليل من الضحايا وذكرت الأنباء وقتها أنهم ثلاثة عشر شخصا وعشرات الجرحى وكان ذلك بتاريخ 16-4-2003.
وعن هذه الواقعة يقول الفيضي، وبهذا الحدث يكون لأهالي الموصل الشرف في اتخاذ أول موقف جماهيري يعبد بالدم ضد الاحتلال الأميركي على صعيد العراق، فقد سجلت المدينة سبقا في ارتفاع صوت مدني لها ضد المحتل، وأول دم مدني في تظاهرة سلمية يراق على يديه الآثمتين.
ليس هذه الواقعة وحدها التي يوثقها معززة بما نشرته مختلف وسائل الإعلام، بل يشير في جميع ما يتناول إلى مصادر عربية وعالمية شاركت في نقل الأحداث وتوثيقها، ما يعزز من الروايات ويدعمها بالدقة والصدقية، خصوصا أن الفيضي يتحدث ويحلل ويؤرخ لفترة بداية الغزو والاحتلال في ربيع العام 2003م؛ أي قبل ما يقرب من عقدين من الزمان.
لا يقتصر التوثيق والسرد لأحداث مدينة الموصل التي تعد ثاني أكبر مدن العراق وتقع في شمال العراق، بل يتنقل الفيضي في مدن ومناطق أخرى من العراق، لتبدأ مرحلة العمل السياسي المناهض للاحتلال الأميركي، هذه النشاطات أخذت مسارات عديدة، ووضعت في مقدمة اهتماماتها وانشغالاتها التصدي للاحتلال الأميركي للعراق وفضح ما ترتكبه قواتهم بحق العراقيين والدفاع عن الحقوق المشروعة للبلد.
جدير بالذكر أن الدكتور محمد بشار الفيضي قد أصدر كتابا بعنوان (السراب) ثلاثة أجزاء، يضاف إلى عشرات المقابلات المتلفزة والمشاركة في ندوات ونشر التحليلات والمقالات، وأن كتابه (في كبد الزلزال) هو الأول من سلسلة بعنوان (ذكريات وتاريخ)، يواصل فيها توثيق أحداث العراق منذ العام 2003، معتمدا ذات النهج في تسليط الضوء على الوقائع والتداعيات.

وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]