تؤدي المجالس النيابيَّة والتشريعيَّة على مستوى العالم دَوْرًا مُهمًّا وحيويًّا في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة، بما تملكه من أدوار تشريعيَّة ورقابيَّة، تتكامل مع برنامج عمل الحكومة، إلى جانب مناقشة وإقرار الميزانيَّة العامَّة للدولة ودعم الخطط والبرامج والاستراتيجيَّات الوطنيَّة. فمسؤوليَّة ودَوْرُ السُّلطة التشريعيَّة يظلُّ مستمرًّا وقائمًا لمراجعة تلك التشريعات وتطويرها مهما تمَّ تحقيقه من إنجازات تشريعيَّة، وذلك وفق صلاحيَّاتها، لذا فعلى الحكومة والمُجتمع تعزيز الجهود المساندة لدَوْرِ أعضاء السُّلطة التشريعيَّة لأداء دَوْرِهم التشريعيِّ والرقابيِّ في مجال تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال تقديم الدَّعم الفنِّي من خلال الخبراء بشأن بعض القوانين، خصوصًا التي تحتاجها الخطط والبرامج الوطنيَّة، لتحقيق النَّقلة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة المرجوَّة، والاتِّساق مع توجُّهات الدولة وتحقيق أهدافها في شتَّى المجالات والأصعدة. فلا يمكِنُ تحقيق التنمية بكافَّة صُوَرِها وأشكالها بدُونِ حُكم القانون والجانب الرقابيِّ الذي يُعزِّز دَوْرَ الهيئات التشريعيَّة، وضرورة توافر خبرات برلمانيَّة فنيَّة ومؤسسيَّة للمعاونة في تقديم الدَّعم، وتعزيز دَوْرِ البرلمانات في تحقيق الأهداف الوطنيَّة للتنمية المستدامة.
وحرصت سلطنة عُمان منذ انطلاق نهضتها على ترسيخ عمل المجالس التشريعيَّة بشكلٍ يُواكب التطوُّر المرحليَّ الذي شهدته البلاد في العقود الخمسة الأخيرة، ومع تَولِّي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ مقاليد الحُكم عمل على تحقيق ورسْمِ ملامحَ مُهمَّة لنهضة مُتجدِّدة تستكمل فيها سلطنة عُمان مَسِيرة بناء الدولة والمواطن وفق متطلبات المرحلة الراهنة ومقتضياتها، وتدعو للحفاظ على مكتسبات النهضة العُمانيَّة الشاملة، ويكُونُ للمجالس التشريعيَّة دَوْرٌ فعَّال في تحقيق أهدافها، والتوجيه بضرورة العمل بشكلٍ تكامليٍّ بَيْنَ الهيئات التشريعيَّة والتنفيذيَّة، بما يُحقِّق الأهداف الوطنيَّة المنشودة، ويُسرِّع من وتيرة التقدُّم في تطبيق رؤية “عُمان 2040”، التي انطلقت مع الخطَّة الخمسيَّة الجارية، ويُشكِّل تحديث القوانين وإعادة رسْمِ خريطة الحوكمة، البوَّابة الرئيسة لتنفيذها. لذلك على المكرمين وأصحاب السَّعادة أعضاء مجلس عُمان إدراك اللحظة الفارقة في تاريخ الوطن، وأهميَّة دَوْرِهم التشريعيِّ والرقابيِّ، الذي يحتاج منهم جهدًا مضاعفًا لتحقيق التكامل المنشود مع الجهات التنفيذيَّة.
يأتي هذا الحديث بمناسبة انطلاق دَوْرِ الانعقاد العادي الرابع من الفترة السابعة لمجلس الدولة، ودَوْرِ الانعقاد السَّنوي الرابع (2022-2023) من الفترة التاسعة (2019-2023) لمجلس الشورى، وذلك بناءً على الأوامر السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وعملًا بأحكام المادَّة الـ(38) من قانون مجلس عُمان (7/‏2021)، وأمام مجلس عُمان تحدِّيات كبيرة في دَوْرِ الانعقاد الحاليّ، فهناك عددٌ من الاختصاصات والمهام الكبيرة التي تنتظره، فجدول أعمال الجلسة الأولى لمجلس الدولة يتضمن مناقشة دراسة اللجنة الخاصَّة المُشكَّلة لدراسة (نظام اعتماد شهادات الطلبة العلميَّة ومعادلتها للدارسين خارج سلطنة عُمان)، ومناقشة الدراسة المُقدَّمة من اللجنة الاجتماعيَّة حَوْلَ (الصحَّة النفسيَّة)، بدَوْرِه يناقش مجلس الشورى خطط عمل لجانه الدائمة، كما ستتمُّ خلال الجلسة مناقشة وإقرار محاور البيانات الوزاريَّة لدَوْرِ الانعقاد السَّنوي الأخير من الفترة التاسعة للمجلس.
ليس هذا فقط، إنَّما يتضمن جدول أعمال الجلسة الأولى مناقشة تقرير اللجنة الاقتصاديَّة والماليَّة حَوْلَ الرغبة المبداة بشأن واقع قِطاع التعدين، إضافة إلى مناقشة الرغبة المبداة بشأن إجراءات إثبات الملك للأغراض السكنيَّة والزراعيَّة، وتوسيع صلاحيَّات فروع وزارة الإسكان والتخطيط العمراني في المحافظات في ضوء رأي لجنة الخدمات والتنمية الاجتماعيَّة، كما ستشهد أعمال الجلسة إقرار عددٍ من طلبات المناقشة، لقضايا تهمُّ الوطن والمواطن، مثل طلب مناقشة حول ظاهرة التركُّز السِّلعي والجغرافي للميزان التجاري لسلطنة عُمان، كما ستتمُّ الإحاطة بمشروع الميزانيَّة العامَّة للدولة للعامِ الماليِّ 2023م المحالِ من الحكومة، وتعكف اللجنة الاقتصاديَّة والماليَّة بالمجلس على دراسته حاليًّا وفق برنامج تنفيذيٍّ وزمنيٍّ مُحدَّد، بالإضافة لدراسة عددٍ من الاتفاقيَّات التي وقَّعتها السَّلطنة، وعددٍ من مشاريع القوانين ذات الأهميَّة الكبرى. ولا رَيْبَ أنَّ هذه العناوين والدراسات والمشاريع موضوع المناقشة هي من الأهميَّة بمكان، وتتطلَّب اهتمامًا كبيرًا وتكاملًا عاليًا يليقُ بأهميَّتها والأهداف والنتائج المنشودة منها.