تتفاقم الأزمات التي يشهدها العالم يوما بعد يوم، وتتشابك تداعياتها لدرجة جعلتها عصية على الحلول الفردية، بل إنها تحتاج لتحرك جماعي يبحث في الأسباب المشتركة وراء تلك الأزمات، والعمل على حلها من جذورها كما يقولون. فأزمات الفقر والأمن وحتى المناخ ترتبط في منظومة تتكون من أسباب ومكوِّنات تجعلها عصية عن إيجاد حلول، طالما أغنياء هذا الكوكب ينظرون تحت أقدامهم، ويهرولون نحو مصالح وقتية مباشرة، دون النظر عن عواقب تلك المصالح في المستقبل البعيد والقريب حتى، ولا يملكون رؤية واسعة تطلعهم على أن تأثيرات تلك المصالح الضيقة التي يحرصون عليها، ويحتكرون أدواتها، ستكون كارثية على كافة الأوجه والأصعدة عليهم وعلى هذا الكوكب التعيس المبتلى بحفنة من البشر الذين يتسمون بالطمع المفرط، ويقودونه نحو نهاية مظلمة بسرعة فائقة، وملامحها تظهر جلية في تفشِّي الفقر والأمراض وكارثية الوضع البيئي، والركود الاقتصادي، والصراع السياسي...إلخ.
تلك المقدمة السوداوية ضرورية لشرح سؤال سأله أحد الأصدقاء، فحواه لماذا تهتم قمة المناخ في شرم الشيخ بجدولة ديون الدول الفقيرة والنامية، وعدم توفير الجهد لإيجاد حل لقضية التغير المناخي الخطيرة؟ والإجابة بالطبع حاولت أعبر عنها بكلمات بسيطة في مقدمة المقال. فأزمة المناخ جاءت نتيجة جشع الأغنياء دولا وأفرادا، متمثلا في الاستهلاك المفرط للموارد البيئية والطبيعية بكافة أشكالها وصورها، ما نتج عنه هذا التغير المناخي الذي عاد على الجميع بكوارث طبيعية، تلتهم من مقدرات الدول، خصوصا الفقيرة منها، وتعوق خطوات التنمية التعيسة التي يفرضها أيضا الأغنياء، لتثقل كواهل تلك الدول بالديون وينتشر الفقر المدقع بصورة مفزعة، وصلت في حقبة كورنا لتصل لربع سكان الكوكب، وباتت موازنة الدول عاجزة عن توفير الالتزامات في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، مما فاقم انتشار الجهل والمرض، التي تفاقمت جراء تغير المناخ وتداعياته، لتدور البشرية في دائرة مفرغة من الأزمات وتداعياتها أجَّجت الصراعات، وأدَّت لركود اقتصادي مُدمِّر لن ينجو منه إلَّا من رحم ربي.
لذا فليس من العجيب أو المستغرب أن تناقش قمة شرم الشيخ المناخية، أزمة ديون الدول النامية المتأثرة بالكوارث الطبيعية، لكن الغريب هو إصرار زعماء الكوكب على التحدث عن حلول لا تُمثِّل أكثر من مُسكِّنات، لم يعد لها مفعول من الأساس، فحديث التعويض أو جدولة الديون، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتقليل الانبعاثات عبر إقامة مشاريع طاقة متجددة في الدول غير الصناعية، التي لا تستهلك أساسا الطاقة بشكل يُمثِّل خطورة، فيما تستمر الدول الصناعية الكبرى على الاعتماد على مصادر طاقة غاية في الخطورة، بحجة انخفاض تكلفتها كالفحم وغيره من المسببات للكوارث البيئية، والاعتماد على قطع المزيد من الغابات، وهي سياسة فاقمت التصحر في العديد من المناطق في العالم، وهي أحد أهم أسباب تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية.
وبعيدا عن مصطلحات مقعرة شديدة التعقيد العلمي، نحاول أن نبسط أمام القارئ خطورة الوضع الحالي، الذي يمهد إلى مستقبل بات يؤثر على الوجود الإنساني، وذلك نتيجة تشابك الأزمات وتعقيد تداعياتها، والتي تزيد طالما نحن لم نواجه الأسباب الرئيسية، ولا يزال كبار الكوكب يبحثون عن تعويض مادي للفقراء ويسعون إلى تحميل دولهم فاتورة التلف البيئي، ويا ليتهم يلتزمون بتلك التعويضات، لكننا نجد أن الوعود تتبخر بعد كل قمة، ويظهر بشكل واضح عدم التزام تلك الدول الكبيرة بوعود قطعتها، برغم أن تلك الوعود لم تكن ولم تعد كافية، لنظل ندور في سلسلة من الأزمات المتشابكة التداعيات، والتي طالت كافة أوجه حياتنا، فهل ستكون قمة شرم الشيخ التي تحمل اسم (قمة إفريقيا)، بداية لمواجهة حقيقية، تلبي احتياجات المعمورة الحبلى بالأزمات والتحديات؟

إبراهيم بدوي
[email protected]