في السنوات الأخيرة احتلت أزمة تطرف المناخ اهتماما كبيرا من قبل المجتمع الدولي بعد ارتفاع درجة حرارة الكوكب وتزايد الكوارث الطبيعية حول العالم والتي لم تعد تستثني أحدا تقريبا مثل الأعاصير والزلازل والفيضانات وحرائق الغابات.. وهذه الأيام تستضيف مدينة شرم الشيخ المصرية مؤتمر الأطراف السابع والعشرين للأمم المتحدة المعني بالمناخ (كوب27) في محاولة للبحث عن حلول ناجعة تنقذ الأرض من التدهور الذي تشهده بسبب الاحتباس الحراري الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري في الصناعة إلى جانب تزايد الملوثات الأخرى في البر والبحر والجو من الأنشطة البشرية المشبوهة.
إن هذا المؤتمر ليس الأول من نوعه الذي يناقش قضية تطرف المناخ، وبالتالي فإن الأهم من إقامة مثل هذه المؤتمرات هو تنفيذ ما تخرج به من توصيات وأهداف.. فالمؤتمرات السابقة في باريس وجلاسكو وضعت بنودا عديدة لتقليل الانبعاثات والتحوُّل إلى الطاقة النظيفة المتجددة ودعم الدول الفقيرة الأكثر تضررا وإزالة الكربون من مصادر الطاقة، وغير ذلك من البنود التي تؤدي إلى تقليل معدل درجة حرارة الكوكب 1,5 درجة مئوية على الأقل. ولكن ـ للأسف ـ لم تلتزم الدول الصناعية الكبرى بما تعهدت به خلال هذه المؤتمرات.. وما زالت الطبيعة تئن من جور البشر واستنزافهم الجائر للموارد الطبيعية وتماديهم في تلويث البيئة.
لقد وضع المؤتمر (كوب 27) في نسخته هذا العام نصب عينيه أربعة أهداف رئيسة يسعى لتنفيذها وهي التخفيف والحدَّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من (2) درجتين مئويتين، والعمل بجد للحفاظ على هدف 1,5 درجة مئوية على قيد الحياة، والتكيف مع أحداث الطقس المتغيرة من موجات الحر والفيضانات وحرائق الغابات وغيرها، والتعاون العالمي لإحراز التقدم وتمويل المناخ.. وجميعها أهداف عظيمة تسهم في حل مشكلة التغيُّر المناخي، ولكن الأهم من رسم الأهداف والتشدق بالحلول هو تنفيذها على أرض الواقع.. فالمؤتمرات السابقة ما زالت توصياتها حبيسة أدراج الأمم المتحدة ولم تدخل حيز التنفيذ بعد.. حيث تشير عدة تقارير دولية إلى عدم التزام الدول الصناعية الكبرى بخفض الانبعاثات التي تعهدت بها خلال النسخة السابقة في جلاسكو (كوب 26).. كما أن الأزمة المالية التي مر بها العالم عرقلت التمويل المقدم من الدول الغنية إلى مثيلاتها الفقيرة لمواجهة تداعيات التغير المناخي.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل سيتم تنفيذ توصيات مؤتمر شرم الشيخ أم أنها ستكون مثل سابقيها مصيرها أرفف وأدراج الهيئة الأممية؟
لا شك أن اتخاذ خطوات عملية في ملف المناخ يحتاج إرادة سياسية فاعلة وتكاتفا من قبل جميع دول العالم على السواء.. والأهم هو البحث عن مصادر تمويل لمواجهة تداعيات الأزمة خصوصا في الدول النامية والفقيرة التي تثقل كاهلها الديون وتزيدها الكوارث الطين بلة.
إن الحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية أصبح مطلبا ملحًّا لا يحتمل التسويف أو التأجيل.. والحل الأمثل لتحقيق ذلك يكون عن طريق زيادة الاستثمارات في مجال الطاقة النظيفة المتجددة على ألا يقتصر هذا على توليد الطاقة الكهربائية فحسب، بل في جميع مجالات الحياة.. وفي هذا النطاق لم تألُ سلطنة عُمان جهدا أن تكون من أوائل الدول التي تقوم بالتحول نحو الطاقة النظيفة، فنراها حرصت على تعزيز الوعي المجتمعي في هذا المجال والاتجاه نحو زيادة الاستثمارات المتعلقة بالهيدروجين الأخضر من خلال شركة هايدروجين عُمان (هايدروم) نظرا لأنه يُعد الحل السريع لتحقيق خفض انبعاثات الغازات الدفيئة؛ لأنه يعطي أعلى طاقة دون انبعاثات مضرة بالبيئة.. ففتحت المجال لتطوير الهيدروجين النظيف وتسهيل إنتاجه ونقله، والاستفادة منه محلِّيا وتصديره حتى تصبح السلطنة في مقدِّمة الدول المُصدِّرة له بما يتسق مع سياسة تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الاقتصاد الأخضر في رؤية عُمان 2040.. لا سيما أن “إحدى الدراسات خلصت إلى أن إمكانات الهيدروجين الأخضر في سلطنة عُمان هي عشرة أضعاف إنتاجها الحالي من النفط والغاز” كما لفت معالي السيد وزير الخارجية في أحد تصريحاته.
كما وضعت سلطنة عُمان أيضًا هدفا ساميا بتحقيق الحياد الصفري الكربوني عام 2050 وأنشأت في سبيل ذلك مركز عُمان للاستدامة، وتدشين سياسة وطنية للطاقة، وغير ذلك من الخطوات الجادة للحدِّ من الانبعاثات الكربونية والتي تجسد التزامها وحرصها على حل أزمة التغير المناخي.
إن الأخطار الناجمة عن الاحتباس الحراري التي لطالما حذر منها علماء المناخ، واستهان بها صناع السياسة في العالم ولا يريدون الاعتراف بها أصبحت تحيط بالكوكب من كل جانب.. وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي ويتخذ خطوات عملية وسريعة لوقف انبعاثات الميثان والكربون عن طريق منع الاستثمارات في مجال الطاقة الأحفورية، والتوقف عن قطع الغابات والاتجاه للطاقة النظيفة، فإنه بذلك يضع الأرض فوق صفيح ساخن يدفع فاتورته الكل.. ويكفي أن العالم يتكبد خسائر كل عام تزيد على نصف تريليون دولار.
لقد آن أوان التنفيذ لا التعهدات وإطلاق الشعارات الرنانة.. ويجب أن يضع العالم مشكلة الاحترار المناخي أولوية أولى على أجندته؛ لأن آخر تقرير للأمم المتحدة يؤكد على “الارتفاع السريع في وتيرة الاحترار العالمي على مدى السنوات الثماني الأخيرة” والذي وصل إلى 2,8 درجة مئوية.. ولو استمر هذا الارتفاع في درجات الحرارة فإن الله وحده يعلم إلى أي مدى سيصل حال الأرض.. فبالتأكيد ستتضاعف الكوارث الطبيعية وتهلك الأرض بمن عليها وساعتها حفنة الدولارات التي تسعى الدول الصناعية الكبرى للحصول عليها من استثماراتها الجائرة لن تنفعها أو تنقذها من المصير المحتوم.. لذلك لا بُدَّ أن تدفع الدول الصناعية الكبرى فاتورة ما سببته من أضرار مناخية وخسائر للبشرية جمعاء.
نتمنى أن يكون مؤتمر المناخ (كوب 27) وهو قمة التنفيذ وليس قمة تعهدات.. فالوضع لم يعد يحتمل المزيد من التأجيل أو التجاهل، بل ينبغي مواجهة المشكلة قبل أن نصل لنقطة لا يمكن الرجوع منها.


ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني