ما يبعث على الفخر والاعتزاز أن نهضتنا المباركة التي قاد مسيرتها بكل حكمة واقتدار حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تسير بخطوات محسوبة مدروسة للارتقاء بإنسان عُمان، وأن خططها وبرامجها الواعدة توضع موضع التنفيذ والتفعيل وفقًا لتخطيط سليم وترتيب متقن وبتوقيتات زمنية محددة، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي أو الدعاية المفرطة التي تتحول مع مرور الوقت إلى عبء على سير عملية التطوير والتحديث وربما عقبة في طريقها.
ووفقًا لهذا القدر المتيقن، فإن الإعلان عن صندوق الرفد عقب انتهاء ندوة "تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة" التي أقيمت بسيح الشامخات بمحافظة الداخلية لم يكن ضربًا من العبث أو تمضية وقت فراغ وترويحًا عن النفس، وإنما كانت خلجات الفكر والوجدان تحركها أهداف سامية، وتقف وراءها أفكار تستند إلى عقل وفكر مبدعين استطاعا أن يبنيا نهضة شامخة يشار إليها بالبنان، وأن يبنيا إنسانًا عمانيًّا سويًّا قادرًا على العطاء والبذل، متسلحًا بالعلم والمعرفة، متأبطًا تراكمًا من الخبرة والتأهيل والتدريب، ومتوشحًا الاستقلالية والحرية في التفكير والإقدام على كل ما يحقق ذاته ويكسبه المعرفة الواسعة والثقة العالية بالنفس، ويحقق مصلحته ومصلحة وطنه.
وما يؤكد مصداقية ذلك، التحرك اللافت من قبل صندوق الرفد نحو تفعيل دوره الوطني في تلمس احتياجات الشباب ومساعدتهم على الوقوف على أرجلهم من خلال القروض التي سيقدمها لهم في زمن قياسي، والحرص على السير بهم إلى بر الأمان وعدم تركهم عرضة للمفاجآت أو أي اهتزازات، حيث أعطى الصندوق شارة انطلاقته الحقيقية في بداية هذا العام، معلنًا أن عدد المستفيدين من أول دفعة للصندوق بلغ خمسة وأربعين (45) مستفيدًا وبتكلفة ما يقارب فوق المليون ريال عماني.
إن صندوق الرفد يمكن أن يكون مفتاح النجاح لاقتصادنا الوطني ونموه ومتانته من خلال عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي سيعمل على إنضاجها على نار هادئة، إذا ما توافرت الإرادة والعزيمة والإصرار والصبر لدى شبابنا، وكبر حجم المسؤولية الملقاة على عاتق صندوق الرفد والهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ونما الحس الوطني لدى مؤسسات وشركات القطاع وشعورها بأهمية الحاجة الماسة إلى تعميق التواصل والتنسيق والتكامل مع الصندوق والهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي سيجعل السلطنة تقف على مرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني الخلاق بالانتقال إلى مرحلة التطبيق الفعلي لنتائج ندوة "تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة" وترجمتها ترجمة عملية وحقيقية تعكس بكل فخر الاهتمام السامي لجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بالموارد البشرية، وتنمية الإنسان العماني أينما كان، والتأكيد على أن هذه التنمية لا تقف عند حد معين، وإنما هي مستمرة مع مراحل عمر الإنسان. فالبرامج التمويلية الأربعة التي طرحها صندوق الرفد كمرحلة أولى وهي (مورد وتأسيس وريادة وتعزيز) تعد برامج طموحة ووطنية بامتياز من شأنها أن تحقق أهدافًا طيبة وترفد اقتصادنا الوطني وتؤدي بالنتيجة إلى نمو الاقتصاد وتوفير فرص عمل، حيث أخذت تلك البرامج في الاعتبار احتياجات الفئات المستهدفة من الصندوق وهي: الباحثون عن عمل والخاضعون للضمان الاجتماعي والمرأة الريفية والحرفيون والمهنيون. ولعل ما يمكن أن يجعلها برامج ناجحة إيجابيتها من حيث مراعاتها للإجراءات والشروط المرنة، ونسبة الرسوم الإدارية والفنية بحيث لا تتجاوز (2%)، واستثناؤها الخاضعين للضمان الاجتماعي، وكذلك التمديد في فترة السماح إلى (15) شهرًا بالنسبة للقروض المرتفعة مع الحد من أقساط سداد القروض خلال الثلاث سنوات الأولى، على أن يتم صرف القروض للمستفيدين في حدود (48) ساعة بعد الموافقة الأولية وبحد أقصى (72) ساعة، ومراعاة سقف الإقراض عن السابق مع عدم اشتراط الضمانات العينية، ومن بين الأمور الأهم هو أن صندوق الرفد يولي اهتمامًا بالغًا لمتابعة ومساندة المستفيدين بقروضه بعد التأسيس الفعلي لمشاريعهم وخاصة خلال الثلاث سنوات الأولى من النشاط، وغيرها من المزايا المشجعة لشبابنا.
إن هدف النهضة منذ البداية كان ـ ولا يزال وسيظل بإذن الله ـ إيجاد اقتصاد وطني حقيقي قوي يقوم على أساس الإنتاج وتطوير المهارات التجارية والصناعية، ويمتلك الإمكانات التي تجعله قادرًا على المنافسة، وتتمثل هذه الإمكانات في مصادر الدخل المتنوعة والجودة والعنصر البشري المؤهل تأهيلًا سليمًا وعاليًا بحيث يمكنه أن يعطي وينتج، والاستثمار في العنصر البشري بطريقة صحيحة، هذه القواعد الأساسية كانت منذ البدء راسخة في عقل باني نهضة عُمان الحديثة وحادي مسيرتها المظفرة جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ، وها هي هذه المفردات الوطنية البناءة تتجلى في أبهى حللها وأنصع صورها في الاتجاه السامي نحو الاهتمام بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتنميتها، ومباشرة صندوق الرفد دوره المنوط به في وقت قياسي.