مسقط ـ العُمانية : الشاعر العماني طاهر العميري ليس شاعرا فحسب وإنما قارئ يقظ ونهم في شأن الأدب، كما أنه مخلص في كتابة الحرف الشعري، وفاحص لواقع الشعر الشعبي وأنماطه ومفرداته، فقد نُشر له الكثير من البحوث الأدبية في عدد من وسائل الإعلام المحلية وقدم الكثير من الرؤى في شأن النهوض بالقصيدة في سلطنة عُمان، كما قدم نَفَسه الشعري محكّما في العديد من المسابقات على مستوى سلطنة عُمان، وعلى الرغم من البدايات مع الشعر منذ عام 1997 إلا أنه لم يخفت توهجه ليوم، فقد صدر له ديوان “زرقة” 2006 م، وديوان “وطن أخضر” 2017م.

وفي شأن الشعر يتحدث العميري فيقول: تذهب القصيدة الشعبية أو العامية، التقليدية منها والحديثة، جنبا إلى جنب مع تحولات المجتمع وانفجاراته الاجتماعية والحياتية، وتحاكي هذا المد الشعوري الكامن في عقله الجمعي، فهي الترجمة الواقعية لمكنوناته الداخلية، وتقدم نفسها بشروطها الجديدة في محاولة رسم صورة عامة عنه “أحزانه وأفراحه وانكساراته”، فهي تنطلق من صدق الحس والحدس، ومن خلال أشكال كتابية أكثر جنونا وشراسة وغنى لا تستطيع اللغة الشعرية العامية أن تكون بمنأى عن معنى الوجود الحقيقي للإنسان.
وحول أوجه الالتقاء والاختلاف بين القصيدة الشعبية العُمانية والشعر الشعبي المكتوب في الجزيرة العربية يقول: لا يمكن لأي قصيدة إلا أن تنطلق من مكونها الثقافي الأول، فالمجتمع يشكل رافدًا أصيلًا، ويمكن لنا بسهولة أن نميّز القصيدة العُمانية من خلال لغتها ومفردات المكان الذي تتشابك وتتعالق به.

ويضيف: لا يمكن لنا أن ننكر أوجه الالتقاء والاختلاف بين اللهجة العُمانية بتنوعها وبين لهجات المنطقة لأننا ننتمي للبعد الجغرافي الواحد، وهذا الالتقاء والاختلاف سنجده أيضا في الشعر الشعبي المكتوب، فقد تتشابه المفردات والتراكيب الكلامية لكن يبقى لكل إقليم رائحة لغته الخاصة التي تميزه، وهذا يمكن تمييزه بسهولة من خلال طريقة نطق الكلمة وذوبانها في النسيج العام للقصيدة، كما أن الفنون القولية والغنائية تشكل رافدًا وخصوصية أخرى للمكان لأهميتها في الكتابة الشعرية العامية.
و يؤكّد الشاعر أنه إذا أردنا أن نتحدث عن أي موروث تاريخي كتابي علينا أن نتتبع العمر الزمني لأي شكل فني أو كتابي والمساحة الزمنية التي احتلها ليخرج لنا بشكله النهائي الأخير، هذه الصورة النهائية يقاس عليها ما يكتب بعدها وتعد موروثا لا يمكن الخروج عليه، والحقيقة أن الكتابة هي مجموعة من التحولات، وما يعد موروثا في زمننا كانت له “موروثات” سبقته زمنيا وربما تختلف عنه في أشكالها ومبانيها ومضامينها وهي بالتأكيد رافد للموروث في صورته الأخيرة التي وصلتنا.

وفيما يتعلق بشبهة الغموض في القصيدة العُمانية الحديثة يقول العميري: الغموض تهمة أُلصقت بالقصيدة العربية الحديثة منذ خمسينات القرن الماضي بسبب الشرخ اللغوي الحاصل بين القصيدة العربية التقليدية وبين القصيدة الحديثة، لاختلاف المدخلات الثقافية والقرائية لكلا الجيلين، لكن لا يمكن إنكار التهمة عن بعض النصوص أو التجارب الشعرية غير الناضجة شعريا وفنيا .

وعن حضور المكان في تجربته الشعرية يقول: “أنا ابن بيئة ورثت البحر في زرقته والنخل في ارتفاعه وسمو هامته والصخر في صلابته، أعيش بين مجموعة هذه الألوان التي تشكل المناخ العام للمكان والتي ستجد بطبيعة الحال طريقها إلى القصيدة وستشكل مناخاتها هي الأخرى، ويحضر المكان في قصيدتي حضورا عفويا، فالشاعر يمنح من جميع هذه المكونات حوله، الذاكرة محملة بالكثير من الأشياء التي لم تستطع المدنية الزائفة إخفاءها ونحن نعيش في ريف يتمدن يحاول نزع أثوابه القديمة التي تصر على الالتصاق به أكثر، والذاكرة ثقب أسود يبتلع كل ما حوله، والشاعر الذكي هو من يستثمر كل هذه المكونات، والقصيدة ذاكرة أخرى تحاول استيعاب ارتطامات الإنسان بالحياة والمكان”.

ولأن قصيدته تميزت بهدوء اللغة وحساسيتها العالية وانسيابيتها يفسر الشاعر طاهر العميري ذلك بقوله: “هدوء اللغة لا يأتي إلا من رعب الإحساس بالزمن، الإصغاء للحياة وتأملها بصمت المستريب، ويركن الشاعر إلى الصمت في محاولة مواجهة قسوة الحياة حوله، وتأتي اللغة عالية في حساسيتها وهدوئها وانسيابيتها، ويحاول الشاعر أن يعيش بأقل الخسارات في الحياة متماهيا في حركة وسكون قصيدته متدثرا بعاطفتها ومرتطما بإيقاعاتها، تائهًا في توهجها ومنسرحا في زمنها اللانهائي”.

وفيما يخص علاقته بالألوان وحضورها في إصداراته الشعرية يردف قائلا: “لا يمكن لشاعر أن ينفلت من حضور الألوان ودلالاتها في قصيدته أو في عناوين الأعمال الشعرية التي تأخذ هي الأخرى بعدا شعريا آخر، فبين عملين لي “زرقة” و“وطن أخضر” أجد نفسي منفيا بين هذين اللونين، لأنهما يشكلان عالمي الشعري والحياتي الواحد.

ويشير إلى التحديث وتطور اللغة في تجربته أيضا ومدى تماسها مع أفق الحداثة في القصيدة العربية عموما فيؤكد أنه على الشاعر أن يعيش كل يوم مغامرة جديدة مع قصيدته، وأن يجتاز طريقه نحو معرفة العالم وفهمه، والقصيدة هي من تنير له هذا الطريق، والمعرفة في أفقها الواسع وانفتاح الكاتب على الأشكال الكتابية المختلفة وهو ما يجعل قصيدته مختلفة في رؤيتها، والكتابة قلق يومي وصراع لا نهائي مع اللغة في محاولة الشاعر اكتشاف مجرات جديدة في كون القصيدة الفسيح، ولا يمكن للشاعر أن يركن إلى العادي من الكلام وإلى الأشكال الشعرية الجاهزة، وتجاوز بُنى الكتابة التقليدية بات مطلبا مهما في الكتابة الشعرية الحديثة، في محاولة التّماس مع أفق الحداثة وأسئلتها الكبرى وعليه أن ينصت للعالم وأن يقذف بقصيدته وسط هذا المد اللامنتهي من طرق التعبير الحديثة متماسا ومتجاوبا ومستفيدا من كل هذه التقاطعات التي تصنع نصه الجديد، وهذا ما أحاوله في قصيدتي من خلال الاشتغال على فنيات تكاد تكون جديدة في فضاء القصيدة العامية، واجترار الغنائيات المباشرة في القصيدة لا تصنع إلا قصيدة مكررة يعاد كتابتها واستنساخها، فبينما تطالعنا القصيدة العربية في أفقها الجديد بفنيات أكثر حداثة تغني القصيدة وتضيف لها بُعدا كتابيًّا آخر، والاهتمام بالإيقاع في القصيدة والاستفادة من الطاقات الصوتية للبحور العربية لهو غنى آخر يضاف إلى جماليات القصيدة، وبُنى تتجاوز حتى شكل القافية وتكرارها الصوتي من خلال جمل شعرية أكثر انطلاقا وانسيابية، ويحرر فيها الشاعر الكلام من قوالبه الجاهزة والجمل الشعرية من طولها الاعتيادي إلى انسيابية أكثر انطلاقا وتجاوزا واسترسالا”.
واختتم حديثه قائلا : القراءة في التجارب الشعرية المختلفة، والتجارب القادمة من كل مكان في العالم ومد الجسور نحوها إلى جانب التأمل والإنصات الشفيف إلى صوت الموسيقى وهو ما يغذي الفكرة في القصيدة.