بداية تجب الإشارة إلى أن المقصود بالعنوان ليس ما درج في العامية المصرية، وربما غيرها، من دلالة سلبية تعني تصرفات وضيعة أو على الأقل ليست على مستوى جيد. إنما القصد هنا هو البيئة بمعنى نظام مناخ الكرة الأرضية والتنوع الحيوي على الكوكب المهدد بالتغيرات نتيجة التلوث البيئي وأغلبه من انبعاثات ناتجة عن نشاط البشر. ذلك بمناسبة انعقاد قمة المنا العالمية “كوب27” في شرم الشيخ بمصر والمفاوضات الجارية فيها بشأن تعزيز جهود مكافحة التغيرات المناخية، أي حماية البيئة الحية على الأرض. ويشارك كل العالم تقريبا في تلك الاجتماعات المستمرة أسبوعين، على أمل الاتفاق على خطوات عملية وليس مجرد تعهدات ووعود وأهداف نظرية لتقليل نسبة الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
منذ اتفاقية باريس عام 2015، التي تم التوصل إليها في “كوب21” ووافقت عليها 195 أي أغلب دول العالم تقريبا، انتهت قمم المناخ السنوية بوعود وتعهدات دون التزامات. ومنذ عامين صعد خبراء المناخ في الأمم المتحدة من تحذيراتهم بأن درجة حرارة الأرض ترتفع بمعدلات على وشك أن تصبح كارثية وغير قابلة للمعالجة. ورغم التصريحات السياسية من زعماء دول العالم التي يبدو وأنها تدرك خطورة الوضع البيئي العالمي، إلا أن القمة السابقة في جلاسكو قبل عام لم تسفر عن خطوات عملية لمواجهة خطر التغيرات المناخية. والمأمول أن تكون قمة شرم الشيخ، وبعدها قمة أبو ظبي العام القادم ساحة اتفاق على الإنجاز وليس فقط وضع الأهداف. ذلك أن المشكلة واضحة تماما تشخيصا وأسبابا، وحتى الحلول تبدو معروفة تماما ولا يحتاج العلاج إلى تفاوض وتجريب. إنما المفاوضات والنقاشات كلها حول النصيب من العبء المالي والاقتصادي لمكافحة التغير المناخي.
فالسبب الرئيسي في زيادة درجة حرارة الأرض، وتبعاتها من زيادة حدة الجفاف وارتفاع منسوب البحار وذوبان الجليد وحدوث الدمار الناجم عن الفيضانات وغيره من كوارث طبيعية، هو انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري مثل ثاني أوكسيد الكربون والميثان وغيرها. وكلها ناتجة عن الصناعات الكثيفة وأنشطة البشر الأخرى. ومعروف أيضا بوضوح أن الدول الصناعية الكبرى هي الملوث الأكبر للبيئة، فنسبة عشرين في المئة من دول العالم هي الدول الكبرى الغنية تنتج نحو ثمانين في المئة من الغازات الملوثة للبيئة. في الوقت الذي تتحمل دول كثيرة في العالم النامي والفقير تبعات أضرار التغيرات المناخية دون أن تكون مسهمة في أسبابها إلا بقدر ضئيل. من هنا، يصح منطقيا أن تسهم الدول الغنية في مساعدة الدول النامية والصاعدة على التحوُّل من مصادر الطاقة المنتجة للغازات الملوثة إلى مصادر طاقة متجددة خضراء (أي منعدمة الانبعاثات الملوثة للبيئة). ليس لأنها دول غنية أو متقدمة ولكن لأنها المسؤولة عن هذا الوضع البيئي الذي يعاني منه الجميع على سطح الأرض، وبالتالي يجب أن تتحمل كلفة في مكافحته توازي مسؤوليتها عن حدوثه.
لعل ذلك ما جعل مصطلح “العدالة المناخية” يسود أجواء قمة شرم الشيخ، والقضية الأكثر أهمية في مفاوضات الوفود هي تأمين التمويل لمشروعات الطاقة الخضراء والتحوُّل المناخي في الدول النامية والصاعدة. بالطبع تتردد الدول الغنية، مثل الولايات المتحدة والصين أكبر الملوثين للبيئة بسبب حجم القطاع الصناعي فيهما، في تحمُّل كلفة ذلك التمويل وحدها. لذا تطرح مقترحات مثل إشراك القطاع الخاص المالي، مثل البنوك وشركات التأمين وصناديق الاستثمار، في عملية التمويل تلك. وحسب تقديرات مؤسسات دولية متعددة تحتاج الدول النامية والصاعدة إلى ما يزيد على تريليون دولار سنويا لتمويل التحوُّل إلى مصادر طاقة نظيفة وخفض الانبعاثات من نشاطات البشر فيها. فإذا كانت تلك الدول ستتحمل حكوماتها نصف ذلك المبلغ فإنها بحاجة لتمويل إضافي يزيد عن تريليون دولار سنويا حتى تصل إلى مستوى منخفض جدا أو منعدم من الانبعاثات (ما يسمى صفر كربون). قد يحقق إشراك القطاع الخاص بعضا من العدالة المناخية التي تطالب بها الدول النامية والفقيرة، لكن ذلك لا يعفي الدول الصناعية الكبرى من مسؤوليتها.
تطالب بعض الدول في إفريقيا وآسيا بتعويضات من الدول الصناعية الكبرى عن الأضرار التي عانت منها لسنوات نتيجة التغير المناخي الذي تسببت فيه تلك الدول الكبرى. لا تقبل الدول الكبرى الغنية بسهولة بموضوع التعويضات، لكن التوصل إلى حلول وسط ممكن بمعنى أن تسهم تلك الدول في مشروعات التحوُّل المناخي في الدول النامية وكأنما تعوضها بالاستثمار فيها. تملك الدول الكبرى أيضا القدرة على دفع القطاع الخاص المالي العالمي بتمويل التغير المناخي في الدول النامية والفقيرة. ومع أن الجميع يدرك خطورة الوضع الذي وصلنا إليه جميعا فيما يتعلق بتغير المناخ، إلا أنه حين يأتي الأمر إلى المال ومن يدفع تتعقد المفاوضات ويصبح كل طرف معنيا بتقليل تحمل القدر الأكبر من الكلفة. وهذا هو الخطر الحقيقي، أن ننظر تحت أقدامنا ونفكر في تأثير التحوُّل بعيدا عن الانبعاثات على النشاط الاقتصادي بشكل عام بدلا من أن نفكر في الأثر متوسط وبعيد المدى على بيئة العالم كلها بما فيها ذلك النشاط الاقتصادي.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
[email protected]