كأني به يشكو إلى الله، حين قال أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة إنها مسألة حياة أو موت، وإن الإنسانية أمام تحدِّي الزوال أو التعاون، إذا لم نجد ما ينقذ العالم من التدهور البيئي الذي ضربه بفعل المتغيرات المناخية.
كان المسؤول الدولي يلقي كلمته أمام المشاركين في المؤتمر الدولي الذي انطلقت أعماله نهار الأحد الماضي في مصر تحت لافتة مثيرة للانتباه نفسيًّا واعتباريًّا، (الوفاء بالتعهدات)، وبحضور سياسي لافت، مع حشد كبير من الخبراء الاختصاصيين المتمرسين بأحوال البيئة، الأمر الذي يشير بصورة أو بأخرى إلى أن المشكلة تكمن في ظاهرة التنصل من التزامات كان قد تمَّ التعهد بها وإلا لماذا الدعوة إلى الوفاء؟
خلال اليومين الأولين من المؤتمر حصل إجماع في الإشارة إلى ذلك من خلال اتفاق باريس الذي تمخض عن قمة المناخ يوم انعقدت في العاصمة الفرنسية عام 2015، وصادقت 193 دولة على آليات تنفيذية بأريحية عالية، وأشفعت المصادقة ببرنامج تشاركي، وبناء هيكلية تنظيمية عالمية للرصد والإبلاغ والمعالجة.
لقد انصب الجهد حينها على إقامة بيئات متوازنة قادرة على إنجاز هذه التوجُّهات العلاجية، وبمعنى مضاف، إن أسبقية المؤتمر الحالي هي الدعوة إلى المزيد من الحسم في التصدي للانبعاث الحراري تعويضًا لسنوات إهمال دفعت العالم إلى المزيد من المخاطر البيئية والمساومة على موضوع تقديم تعويضات للدول النامية الأشد تضررًا جراء تلك المتغيرات في ظل حقيقة لا شكوك حولها، أن الدول المتقدمة صناعيًّا تتحمل الوزر الأكبر من التلوث البيئي المتسارع لما تمتلك من قاعدة صناعية واسعة تنث بلا توقف الملوثات الكربونية ذات الكثافة المدمرة.
العالم إذًا أمام مفارقة غير مقبولة في كل الأحوال؛ لأن هذه القاعدة الصناعية الضخمة محرك أساسي لتلك الانبعاثات.
لقد مضى على اتفاق باريس بحدود سبع سنوات كان ينبغي أن يشهد فيها العالم تراجعًا في كميات الانبعاث الحراري، بينما الواقع غير ذلك تمامًا، الأمر الذي يبرر تمامًا التشديد على مفهوم الوفاء.
بتفسير مضاف، إن فرص تنفيذ تلك التعهدات ضاعت تحت وقع العديد من الأسباب التي تحركها عدم المصداقية، وهكذا وبغضِّ النظر عن المناشدات التي يشهدها المؤتمر تظل الأسبقية للمكاشفة، أين أخفق المجتمع الدولي؟ ومن هي الدول التي امتنعت عن الإيفاء بتعهدات اتفاق باريس؟ وكيف السبيل إلى التمسك بتنفيذ التعهدات؟
من الكلمات المأثورة للزعيم الهندي الراحل نهرو أن الكلمات الكبيرة ليس أعمالًا كبيرةً باستمرار، وإذا كانت قمة شرم الشيخ قد حشدت الكثير من الخطابات التشخيصية المحذرة فإن الحكمة تكمن في مدى الاستجابة.
الحال وكما قال آل جور نائب الرئيس الأميركي الأسبق، هناك ما لا يكفي من التمويل لمواجهة الاحتباس الحراري، كما أن هناك أجندة لدى الدول الصناعية الكبرى ما زالت قائمة وهي لا تتطابق مع شروط معالجات الاحتباس الحراري.
الخشية أن تنتهي القمة على تجديد التأكيد على تلك التعهدات بدون أن يكون هناك سقف زمني لتنفيذها، الأمر الذي من شأنه أن يبقي الوضع عند نقطة التمني فحسب إن لم يكن استخدام الجرجرة التنفيذية بذرائع وجود أولويات اقتصادية لا تسمح بالتنفيذ والزعم أيضًا، بأن الكلفة الباهظة ستنعكس على الحقوق المعاشية لسكان دولهم، وأنها ستزيد من قائمة البطالة مع إغلاق عدد من المصانع المضرة بالبيئة، بل هناك من يشير الآن إلى ضرورة استثمار هذه المشاكل لتصنيع تقنيات جديدة للإصحاح البيئي مع تكريس ظالم لمفهوم الملكية الفكرية على غرار ما حصل في مواجهة وباء كورونا وكيف تحوَّل الوباء إلى فرصة تجارية احتكارية.
إن هناك الآن رواجًا واضحًا لإقامة بنوك لإيداع الأفكار الخاصة بذلك والتعاطي بها تجاريًّا، وعندها يكون العالم قد دخل مرحلة أخرى من المزايدات.

عادل سعد
كاتب عراقي
[email protected]