تُمثِّل ألمانيا أكبر دولة مستثمرة في الصين حيث يبلغ حجم استثماراتها هناك 14 بالمئة من كامل استثماراتها في العالم، والصين أكبر شريك تجاري لألمانيا على مدى السنوات الست الماضية، حيث وصلت التجارة الثنائية إلى 235.12 مليار دولار في العام الفائت 2021، وتجسد زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى الصين أهمية كبيرة للمستثمرين الألمان الذين وصلت استثماراتهم المباشرة في النصف الأول من العام الجاري 2022، إلى مستوى قياسي بلغ 10 مليارات يورو، وهي أول زيارة لزعيم من الاتحاد الأوروبي إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، منذ العام 2019.
تجسد زيارة المستشار الألماني المقولة التي تعد أن الاقتصاد هو من يقود السياسة وليس العكس، إذ تُعد الزيارة اقتصادية في المقام الأول رغم الاختلاف في التعاطي مع المزاج الجيوسياسي بين البلدين في العديد من القضايا والتحالفات الدولية، خصوصا ما بين الغرب ـ وتُمثِّله أوروبا وأميركا ـ والشرق الذي يشار إليه بدولتي الصين وروسيا. والشاهد على الانحياز للشأن الاقتصادي ووضعه في المقام الأول على حساب المواقف السياسية ما يغلب على الوفد المرافق للمستشار الألماني من طابع اقتصادي وهو توثيق للعلاقات الاقتصادية، وفي المقدمة منها الطاقة وخصوصًا أن المانيا ستعاني من شتاء قارس هذا العام، خصوصا بعد الوضع الصعب الذي تعانيه من أزمة طاقة بعدما خفضت موسكو الإمدادات نتيجة انقطاع الغاز الروسي عنها، والذي دفع ألمانيا إلى تخصيص 200 مليار يورو لتحديد سقف لأسعار الطاقة وتخفيف العبء عن المستهلكين، ويمكن للصين لعب دور الوسيط بحكم علاقتها الجيدة مع روسيا في إعادة إمداد ألمانيا بالغاز.
قبل زيارة المستشار الألماني إلى الصين واجه انتقادات من بعض أعضاء ائتلافه الحكومي لقيامه بهذه الزيارة، إلا أن اعتبارات اقتصادية جديدة تسببت في مشاكل للاقتصاد الألماني هي ما دفعت المستشار الألماني إلى هذه الزيارة، خصوصا في ظل الاعتماد المتزايد من جانب ألمانيا على سوق الصين. وبالمثل فإن الصين تعتمد على استثماراتها وتجارتها مع ألمانيا، وتأمل أن يكون اقتصادها الأول في العالم عن طريق أوروبا وفي القلب منها العملاق الاقتصادي الألماني الأقوى في أوروبا. ورغم هذا التوافق الاقتصادي بين الجانبين الألماني والصيني، إلا أن الخلافات بينهما فيما يخص تايوان أو الأزمة الروسية الأوكرانية، فإن هذه الاختلافات لم تبلغ مداها في النقاش مثل أهمية مناقشة الأمور الاقتصادية وكيفية تنميتها وتطورها لصالح شعوب الدولتين. إن زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى الصين واجهت العديد من الانتقادات، سواء على المستوى الداخلي من بعض أعضاء ائتلافه الحكومي أو خارجيا من بعض الدول الغربية ومنها أميركا، إلا أن المستشار الألماني يثبت من خلال زيارته أنه يمكن لقطار الاقتصاد أن يزيل العوائق السياسية من خلال المصالح وتقارب وجهات النظر بالفائدة المشتركة التي يمكنها أن تكون أرضا خصبة ومغرية للمفاوضات وتقارب وجهات النظر، فهو ينظر إلى الصين بعلاقاتها الجيدة مع روسيا أن تتبنى موقفا أكثر ليونة مع الأزمة الأوكرانية، وهذا الرأي ينحاز له بعض الزعماء الغربيين من أنه يمكن للصين أن تؤدي دور الوسيط في تقريب وجهات النظر قبل أن تتطور الأمور إلى الأسوأ، خصوصا وأنه في الفترة الأخيرة تم سماع أصوات تتحدث عن السلاح النووي واستخدامه والتهديد بأن يكون سلاحا حاسما لأي من الأطراف. إن الاقتصاد هو الرؤية المستقبلية لتقابل الشعوب على مائدة المفاوضات، وتغليب المصالح الدولية على أصوات البارود التي تهدم ولا تبني، بينما الاقتصاد هو يبدأ بعجلة التنمية ويصل إلى رفاهية الشعوب إن أُحسنت النيات.

جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»