تتنوع القيم التي يتم تربية الأفراد عليها تبعاً لاختلاف وتنوع ثقافات وقيم الآباء والأمهات التي يزرعونها بداخلهم في مرحلة الطفولة والمراهقة، لأن التربية عامل أساسي من عوامل تكوين ثقافة الإنسان وقناعاته داخل المجتمع، ولهذا تنتقل الثقافات من جيل إلى جيل، من الآباء إلى الأبناء، ومن الأبناء إلى الأحفاد.. وهكذا.
وتختلف ثقافة الأفراد وقناعاتهم أيضًا تبعًا للمكان الذي يعيشون فيه، سواء كان هذا المكان هو المنزل، أو الحي، أو المدينة، أو حتى الدولة، فهناك ثقافة البيت الذي تربي فيه الإنسان، وثقافة المنطقة التي عايش فيها فترات حياته، والمدينة التي تتبعها تلك المنطقة، وحتى ثقافة الدولة تتغير إذا سافر إلى دولة غيرها.
المهم أن الثقافات تختلف كثيرًا من بيئة إلى أخرى، حتى صارت تختلف من بيت إلى آخر، فقد تختلف بين أسرة الأخ وأسرة أخيه، ولهذا يكون من الطبيعي أن نلاحظ اختلاف الثقافات بين الأشخاص، بسبب اختلاف استراتيجيات التربية وقناعات الآباء والأمهات.
وتأتي الدهشة الحقيقية للإنسان عندما يتعامل مع أشخاص ينتمون إلى ثقافات مختلفة عن تلك التي تربى عليها، ما يظهر جليا مع أبنائنا في المراحل الدراسية الجامعية مثلًا، فاجتماع الطلاب من مختلف الأماكن في المؤسسات الدراسية واختلاف قيمهم وطبائعهم هو خير دليل على اختلاف ثقافاتهم الناتجة عن اختلاف أنماط التربية التي تعرضوا لها في منازلهم وبيئتهم.
والواقع أن اختلاف الثقافات قد يكون خطيرًا في بعض الأحيان، عندما يحدث احتكاك بين أشخصاً تربوا في بيئة صالحة ومحافظة على القيم والمبادئ، وبين أشخاص يمتلكون قناعات سلبية مُدمِّرة ومُحطِّمة، أو تربوا على قيم فاسدة، فعندها قد يتأثر الصالح بالطالح، ويغتر به ويسير على نهجه، وهنا تكمن الخطورة الكاملة.
قد تكون الاختلافات بين الأفراد غير متعلقة بالثقافات واستراتيجيات التربية فقط، بل تتعلق باختلاف المستويات المادية، والاجتماعية، والمراتب والمراكز العلمية والحياتية، والفروق العرقية، والدينية، واختلاف أنماط الحياة، والجنسيات، وأساليب العيش من مكان لآخر، ومن دولة إلى أخرى.
وهذا أمرٌ طبيعي، فليس بالضرورة أن يكون كل اختلاف خطرًا، ولكن مكمن الخطورة في اختلاف الأخلاق والسلوكيات والقناعات للأفراد، وتفاوت نسب التزامهم بتعاليم الدين الإسلامي، ونسبة إدراكهم للهدف الرئيسي الذي من أجله تم خلقهم، وهو عبادة الله سبحانه وتعالى وطاعته واجتناب نواهيه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأكيد أن الإنسان لن ينعزل عن غيره من الأشخاص، ولا عن الانخراط في المجتمع، أو عن العمل والسعي في أرض الله لكسب العيش.
ولن يتمكن أيضًا من تغيير الكون، ولا تغيير قناعات جميع الأشخاص الذين سيتعامل معهم في حياته بالكامل.
وبالتأكيد لن يكون من الصائب أيضًا أن يُصبح الإنسان إمعة يسير وفق نهج الناس وآراءهم وقناعاتهم، حتى لو كانت خاطئة وتخالف تعاليم الدين.
فهنا يكون الحل الوحيد أن يتعلم الإنسان كيف يكون قوي الشخصية فيؤثر ولا يتأثر، وأن يعرف كيف يتعامل مع اختلاف الثقافات والقيم من حوله بدون أن يميل لها، فيعرف الفرق بين الخطأ والصواب، وبين الحلال والحرام والمباح، وألا يبالغ في الاقتراب من الأشخاص، إلا لو كانوا ينتمون إلى نفس ثقافته وقيمه الدينية فيكونون صحبة صالحة له، وإلا فالاجتناب أولى.
فعلى المُربي أن يهتم بتنشئة إنسان يعرف الفرق بين الفطرة السليمة التي خلق الله الناس عليها، وبين الانحرافات الدخيلة التي تدمر الأفراد والمجتمعات، فيلاحظ كل ما تقع عليه عيناه من سلوكيات وطبائع، ويفرق بين الصالح منها والفاسد، ولا يتعرض إلا إلى ما قد يفيده، ويتجنب كل ما قد يُغير من عقيدته الثابتة القويمة أو يضعفها. قال تعالى:(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ( (الأنعام:116).


حسين بن علي السرحاني
كاتب عماني
hussein_alsarhani@