سميت سورة الجن ‏بهذا ‏الاسم ‏لأنها ‏ذُكر ‏فيها ‏أوصاف ‏الجن ‏وأحوالهم ‏وطوائفهم ‏وأيضا ‏سورة ‏‏(‏قُلْ ‏أُوْحِيَ ‏إَلَىَّ‎).
وهي: مكية من المفصل وآياتها 28 وترتيبها الثانية والسبعون نزلت بعد الأعراف وتعالج السورة أصول العقيدة الإسلامية "الوحدانية والرسالة والبعث والجزاء" ومحور السورة يدور حول الجن وما يتعلق بهم من أمور خاصة، بدءا من استماعهم للقرآن إلى دخلوهم في الإيمان، وقد تناولت السورة بعض الأنباء العجيبة الخاصة بهم: كاستراقهم للسمع، ورميهم بالشهب المحرقة، وإطلاعهم على بعض الأسرار الغيبية، إلى غير ذلك من الأخبار المثيرة.
قال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً)
فيه ست مسائل: الأولى، قوله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) "أن" بالفتح، قيل: هو مردود إلى قوله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ) أي: قل أوحي إلي أن المساجد لله. وقال الخليل: أي ولأن المساجد لله. والمراد البيوت التي تبنيها أهل الملل للعبادة. وقال سعيد بن جبير: قالت الجن كيف لنا أن نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) أي: بنيت لذكر الله وطاعته. وقال الحسن: أراد بها كل البقاع لأن الأرض كلها مسجد للنبي (صلى الله عليه وسلم)، يقول: "أينما كنتم فصلوا فأينما صليتم فهو مسجد" وفي الصحيح: "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا".
وقال سعيد بن المسيب وطلق بن حبيب: أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد، وهي القدمان والركبتان واليدان والوجه يقول: هذه الأعضاء أنعم الله بها عليك، فلا تسجد لغيره بها، فتجحد نعمة الله. قال عطاء: مساجدك: أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها لا تذللها لغير خالقها. وفي الصحيح عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة ـ وأشار بيده إلى أنفه ـ واليدين والركبتين وأطراف القدمين". وقال العباس قال النبي (صلى الله عليه وسلم):"إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب". وقيل: المساجد هي الصلوات، أي لأن السجود لله. قاله الحسن أيضا. فإن جعلت المساجد المواضع فواحدها مسجد "بكسر الجيم"، ويقال: بالفتح، حكاه الفراء. وإن جعلتها الأعضاء فواحدها مسجد بفتح الجيم. وقيل: هو جمع مسجد وهو السجود، يقال: سجدت سجودا ومسجدا، كما تقول: ضربت في الأرض ضربا ومضربا بالفتح: إذا سرت في ابتغاء الرزق. وقال ابن عباس: المساجد هنا مكة التي هي القبلة وسميت مكة المساجد؛ لأن كل أحد يسجد إليها. والقول الأول أظهر هذه الأقوال إن شاء الله، وهو مروي عن ابن عباس رحمه الله.
الثانية، قوله تعالى:"لله" إضافة تشريف وتكريم ، ثم خص بالذكر منها البيت العتيق فقال: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ)، وقال (عليه الصلاة والسلام):"لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد .." .. الحديث خرجه الأئمة. وقال (عليه الصلاة والسلام):"صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام"، قال ابن العربي: وقد روى من طريق لا بأس بها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:"صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فإن صلاة فيه خير من مائة صلاة في مسجدي هذا".
الثالثة، المساجد وإن كانت لله ملكا وتشريفا فإنها قد تنسب إلى غيره تعريفا، فيقال: مسجد فلان. وفي صحيح الحديث أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء وأمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق. وتكون هذه الإضافة بحكم المحلية كأنها في قبلتهم، وقد تكون بتحبيسهم، ولا خلاف بين الأمة في تحبيس المساجد والقناطر والمقابر وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك.
الرابعة، مع أن المساجد لله لا يذكر فيها إلا الله فإنه تجوز القسمة فيها للأموال، ويجوز وضع الصدقات فيها على رسم الاشتراك بين المساكين وكل من جاء أكل، ويجوز حبس الغريم فيها، وربط الأسير والنوم فيها، وسكنى المريض فيها، وفتح الباب للجار إليها، وإنشاد الشعر فيها إذا عري عن الباطل.
الخامسة، قوله تعالى: (فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) هذا توبيخ للمشركين في دعائهم مع الله غيره في المسجد الحرام. وقال مجاهد: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه والمؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد كلها.
يقول: فلا تشركوا فيها صنماً وغيره مما يعبد، وقيل: المعنى أفردوا المساجد لذكر الله، ولا تتخذوها هزواً ومتجراً ومجلساً، ولا طرقاً، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيباً، وفي الصحيح: "من نشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا"، روى الضحاك عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وسلم): "كان إذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى. وقال: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً)، اللهم أنا عبدك وزائرك وعلى كل مزور حق وأنت خير مزور فأسألك برحمتك أن تفك رقبتي من النار، "فإذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى، وقال:"اللهم صب علي الخير صبا ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبدا ولا تجعل معيشتي كدا، واجعل لي في الأرض جدا" أي: غنى .. والله أعلم.
.. يتبع بمشيئة الله ،،

اعداد ـ أم يوسف